لم تعرف أمي رحمها الله جملة حقوق المرأة ولا أيا من كلماتها، ولم تمسك بميكرفون أو حتى تستمع لحقوقية تحذر من تأثير المطبخ على الحرية، كانت ربة منزل وقائدة عائلة بحق وحقيقة لم تخل بواجباتها طوال سنين عمرها حتى أقعدها المرض، وانتقلت إلى رحمة الله.
أهم حقوقها التي حولتها بنفسها لتكون أعلى مراتب واجباتها؛ كان إضفاء السعادة على من ينتمون لها، حيث عُنيت بعائلة من أبناء وأبناء الأبناء، هي المعين لهم جميعا استيقاظا وتطبيبا واستشهادا بالقرآن والسنة، لم تشتك ولم ترضخ.. تعمل نحو 18 ساعة في اليوم ولم تؤخر فرض صلاة أو سنة منها إلا حين أقعدها المرض، لم تشتك ولم تتظلم، هي للجميع تطبخ وتنفخ وتُصلح وتنصح.. لم تكن تكل ولا تمل، امرأة حقوقية بحق وحقيقة، حملت المرض في رقبتها وأعلى صدرها وكان يأكلها بألم كبير، لكنها لم تشتك إلا حين قذف بها على السرير، وتبريرها "ما أبي أضيق صدوركم يا عييلي".
حق لمثل هذه المرأة أن ترفع شعار حقوق المرأة هي ومثيلاتها من النساء المكافحات بكل إخلاص وجد لإنشاء ورقي عائلة، لكن تلك الصحفية السعودية التي كتبت للراجي عفو ربه كاتب هذه السطور أن يتطرق لحقوق المرأة أكثر من نقد الشمطاء رغدة - مقال ما قبل الأسبوع الماضي- وحسب رأيها أن الأخيرة تملك حق التعبير وإن اختلفت هي معها في محتواه.
أقول لأختنا، أنت من نساء لا يرى منهن إلا الوقوف خلف الميكروفونات رافعات عقيرتهن بالشكوى "أعطونا حقوقنا"، فأقول يبدو أنك نسيتي أن لك في بيتك أبناء يحتاجونك أكثر من الزعيق الذي أنت فيه، هل أنشأت أسرة على الحب والتكاتف؟ هل كنت المعين لهم الجامع لقلوبهم؟ هل جمعتهم على مثال قائم يعطيهم التصور عن دور المرأة؟ هل فعلت ذلك في اجتماع حول كبسة دجاج من طبخك؟ كل ما تعرفينه قائمة طلبات للسواق و"أوردر" طبخ للشغالة!
هل تعرفين تطبيب ابنتك أو ابنك حين يعتل؟ هل تسهرين إلى جانبهم؟ هل جلست على ركبتيك طوال الليل تقرئين المعوذتين والأحاديث الخاصة بدفع البلاء عمن تحبين؟! إذا كانت الإجابة لا، فأنت لست كأمهاتنا، فأي حق تريدينه وأنت آكلة شاربة راكبة في الخلف مع السواق إلى أي مكان تريدينه.. تطالبين بالحقوق وأنت لم تقدمي مهرها، أمي وأمك ومعظم أمهاتنا كن كذلك، لم نعرف انتظار الطعام وهن في المنزل، ولم يضق لنا صدر أو تذرف من أحدنا دمعة إلا كنّ الطبيب المداوي.
نعم أنت تعلمت وعرفت الشهادات الدراسية المتقدمة، لكنك نسيتي أن الأمومة أعلى شهادة وأكبر استثمار، وأن من أشد ما يعانيه مجتمعنا اليوم هو التفكك الأسري والسبب أن عمود البيت -الأم- غير مهتمة بهذا البيت.
أختي المتمدنة المنافحة عن حرية رغدة.. أعلم أنك لن تستطيعي أن تكوني مثل "أمك وأمي"، أمهاتنا العظيمات، لكن كوني بعضا منهن حتى لو لتربية أبنائك، شيدي أسرتك أولا ليحق لك بعدها المطالبة بحقوقك، أما أن تطلبي حقوقا بلا ثمن تدفعينه، وسلاحك الميكرفون والكتابات المنمقة؛ فذلك بعيد، ودعي رغدة عنك.. فهي مقيدة بسياج حول لسانها ورقبتها من قبل الطاغية، ولتحمدين الله أنك بحال أفضل منها.