صديقي أحمد من البحرين يتحفني دوما بزيارات هاتفية طويلة؟ هذه المرة كان الحديث عن التقاعد المبكر أو التقاعد بدون تقاعد، فالكل في خشية منها، وهي قادمة لا ريب فيها، وأنا شخصيا فوجئت ولم أصدق حين قال لي الموظفون في الصحة هيئ حقائبك فقد قررنا الاستغناء عن خدماتك؟ وما كنت أظن أن يأتي يوم يقال لي فيه مثل هذا الكلام، وأنا الرجل الذي تعب على نفسه السنوات ذوات العدد من التمرين القاسي والليالي المنغصة بدون نوم؟ مع هذا فأنا رجل عندي دوما فكرة البدائل بمعنى أنني كما جاء في القرآن عن ابن مريم عليه السلام: (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا)، وأنا أقول العمل كرامة الإنسان ويجب على المرء أن يعمل ويستمر في العمل ويكدح حتى يموت وهو منتصب القامة كما روي عن سليمان القانوني الذي مات في إحدى الحملات في أوروبا فبقي منتصبا، وفي القرآن أن سليمان عليه السلام مات ولكن الجن لم يتفطنوا إلى أنه تحول إلى جثة، وما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.

قلت للأخ أحمد البحريني: على المرء أن يحدد لنفسه لحظة التوقف عن روتين العمل، والتفرغ لحياته الخاصة، والتمتع بوقت الفراغ، وأنه سيد نفسه ووقته، وأنه ليس مطلوبا دوما، مربوط دوما، مشدود متوتر دوما، عليه التوقيع والانصراف والحضور والتواجد.

قال: وأنا أيضا أتمنى لنفسي ذلك؟

قلت له: في العالم أمكنة كثيرة للزيارة فمن مات ولم ير العالم فوّت على نفسه فرصة رؤية العالم ببهجة وحبور وحضور.

قال: نعم وأين تريد الذهاب؟

قلت له :هناك ما لا يقل عن مائة موضع في العالم يستحق الزيارة قال لي: سم عشرة أو عشرين ويكفي.

قلت له: لا.. أنا جاد سأحاول ذكر بعض المواقع وهي عبرة وعظة لكل من يقرأ كلماتي أن يفكر فيها ويحاول زيارتها يوما ما، بل ويرسم خطة مثل ابن بطوطة فيقطع العالم شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا من القطب الجنوبي حتى آلاسكا، ومن جزيرة كمشتكا وسخالين حتى بيتاغونيا وأرض النار!!

ويبدأ كما بدأ ابن بطوطة بزيارة بيت الله الحرام حجا أو عمرة، ثم ينظر فليقطع الأرض إلى أهرامات مصر، وبيشو بيشو في جبال الأنديز من مخلفات حضارة الإنكا، ومدائن صالح والقدس للصلاة حيث عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم، وجبل فوجي في اليابان، وفوهة فيزوف في إيطاليا حيث مسحت مدينة بومبي وهيرقلية عام 79بعد الميلاد، وبرج بيزا المائل في إيطاليا، وبقايا الديناصورات في كندا ، وعالم ديزني وناطحات السحاب في أمريكا، وشلالات نياجارا بين كندا وأمريكا، وألف جزيرة وجزيرة في البحيرات، ورومانيا وذكرى دراكولا وشاوسسكو، وأصفهان والسجاد العجمي وآثار برسيبوليس من كزركسيس وداريوس، والأكروبول والماراتون في اليونان، والسويد وآيسلاندا والحمامات الساخنة، وراجا راجا وتاج محل في الهند، وأهرام اليوكوتان في المكسيك من حضارة المايا، وتماثيل عيد الفصح في المحيط الهادي، وجزر هونولو والمالديف والكناري، وأفكر أنا شخصيا أن أطوف في ألمانيا حيث تعلمت وتخصصت في ستة أمكنة تمتد من بافاريا إلى أولدنبورج ومدينة سيارات الفوكسفاجن في فولفسبورج، وفيلهلمسهافن ميناء القيصر غليوم، ثم أعرج على المنطقة الصناعية في الرور، وأنتهي قريبا من هانوفر في مدينة باينه حيث تكللت رحلتي بالنجاح والاختصاص، وبناء عائلة كبيرة من خمس بنات هن قرة عين لي.

وأفكر في دورة شهر في المغرب من أحفير حتى المسجد الذي وصف أنه عرش على الماء عند حافة الأطلسي، وأدور بين أحقير ووجدة والحسيمة والناضور وطنجة وتطوان والعرائش والرباط والجديدة وأغادير وتاجازوت وسيمومو وآسفي وصويرة، وتزنيت والدشيرة والعين ونواكشوط ومراكش وجبل طبقال وتارادونت وورزازات، شهرا كاملا في المغرب فأتجلى آثار دولة الموحدين والمرابطين، وأزور متحف مدام توسو في بريطانيا، وباريس لرؤية برج آيفل والمتحف الطبيعي واللوفر.

هل بلغت المائة أم زادت؟ من عباد الله المكرمين، وبقايا السفلة من خلقه أجمعين؛ فيعرف الإنسان بقايا الخير العميم، والشر المستطير.