"يا طويل العمر" تقال عادة تيمناً وتفاؤلاً لمن نحب، أو لمن نرجو، ومن لنا معه مصلحة.. و"طويل العمر" هنا هو البترول الذي تكتنزه أرض المملكة العربية السعودية وتعتاش عليه كمصدر رئيسي لدخلها وتنميتها.
أما تسميته بـ"طويل العمر" فقد صدرت في لفتة بارعة وعابرة من خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أثناء تدشينه لأحد المشاريع النفطية فلم يتوان عن إطلاق هذه المفردة الدارجة التي تستخدم في المملكة للثناء والمجاملة والدعاء.
والنفط في بلادنا من أبرز النعم وأميزها وأوجبها بالشكر، وكذلك الدعاء لهذه النعمة بأن يبقيها ويطيل عمرها، فقد عاصر النفط بلادنا منذ بواكير الوحدة الوطنية وبدايات التأسيس صعودا ونماء وأسهم بالنصيب الأوفر في صناعة الدولة السعودية الحديثة. وعليه فإننا نحن الذين بأيدينا إطالة عمر هذه النعمة أو تقصيرها.
وبمعنى أوضح، فنحن الذين نتحكم في حياة هذه الثروة، ولنا أن نطيل زمن التمتع بها من خلال ترشيد استخدامها أو أن نسهم في تقصير عمرها بواسطة الإسراف أو السفه في استخدامها.
ولو نظرنا بعين المراقب الثاقب لأوجه وطرائق الاستخدام الرسمي والشعبي لهذه الثروة الوطنية الأولى لأدركنا دون كبير عناء أن نفطنا يعاني من الهدر وسوء الاستخدام والإسراف الذي يقصر العمر، ولكي تدرك صحة كلامي ما عليك إلا تلمس حجم الإسراف غير المبرر للطاقة الكهربائية من خلال إضاءة المدن السعودية وإنارة شوارعها ومنازلها وأسواقها التجارية والتي لا تجد مثيلاً لها في المدن العالمية الكبرى، ويمكنك تلمس ذلك الفارق الشاسع عندما تحلق بك الطائرة فوق مدينة مثل الرياض أو جدة، حيث قد يتشابه عليك الأمر حتى تحسب أنك تحلق فوق مدينة "لاس فيجاس"، المدينة التي تسامر الليل وفي كازينوهاتها يقامر الناس بأموالهم، وهكذا مدننا التي تتلألأ شوارعها وتشع ساحاتها طوال الليل وطرفا من النهار في مقامرة وإفراط في استهلاك الطاقة النابضة بالحياة، كأننا كمن يستعجل نضوبها.
كما يتجلى استخدامنا للطاقة في جانب وقود السيارات، حيث أدى سعر البنزين المتدني والرخيص إلى تشجيع الوافدين مهما تدنت دخولهم الاقتصادية وإقدامهم على شراء وتملك السيارات المستعملة تبعا لانخفاض سعر البنزين الذي بدوره شجع كثيرا من العوائل والأسر السعودية لاقتناء عدد من السيارات للبيت الواحد، وهذا بدوره أسهم في ازدحام الشوارع واختناقها وانعكاس ذلك سلبا على عمر الإسفلت وسلامة الطريق، كما أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة العوادم المحروقة، وبالتالي ارتفاع نسبة التلوث الجوي والصوتي والضوئي في مدننا الكبرى، بل إن سعر البنزين المتدني قد شجع البعض على تهريبه إلى بعض دول الجوار التي يرتفع فيها سعر البنزين إلى أضعاف سعره في المملكة، وجميعنا نلمس الفروقات السعرية الهائلة لهذه السلعة خلال سفرنا خارج الوطن، سواء كان ذلك داخل العالم العربي أو في أوروبا.
ومعلوم أن السعر المتدني لوقود السيارات في المملكة وما ينتج عنه من زيادة في السيارات التي نزلت للشوارع قد زاد من شريحة المستهلكين عمدا، وزاد من حدة وتيرة الاستهلاك على نحو قدرت معه بعض الدراسات المتخصصة أن تلجأ المملكة خلال سنوات قريبة إلى استيراد البنزين.
ومع تشوقنا وانتظارنا لمشروع مترو الرياض فإننا نتطلع لأن يسهم انطلاق هذا المشروع في الحد من الازدحام وتقليص عدد مستخدمي السيارات، مما سيقلل من الاختناقات المرورية.. ونأمل حينها أن نعمد إلى رفع سعر البنزين كي يكون ذلك حافزا لاستخدام المترو، مما سيكون له آثاره البيئية الواضحة من خفض نسب العوادم والتلوث وتقليل نسب الحوادث المرورية، كما نتطلع إلى ترشيد استخدام الطاقة الكهربائية في شوارعنا ومدننا بما يسمح في المجمل للاستخدام الراشد لنفطنا وثروتنا الغالية التي ندعو لها بطول العمر المديد رعاية للأجيال القادمة، وأن نرعى هذه النعمة بالشكر وعدم الإسراف.