مقدما، نهنئ وطننا المملكة العربية السعودية وقيادته وشعبه بمناسبة اليوم الوطني الثالث والثمانين، الذي يوافق يوم غد ـ الثالث والعشرين من سبتمبر ـ من كل عام، ففي هذا اليوم المجيد ندرك أن العلاقة بين المواطن ووطنه لا يمكن أن تكون علاقة حب جزئية، فالحب كله للوطن، يحب المواطنون وطنهم ويشتاقون إليه؛ لأنه مصدر الأمان الأول، إن لم يكن الوحيد، والارتباط به أبديٌّ من الميلاد إلى الممات، لكنّ هذا الارتباط الوجداني العاطفي غير كاف إذا لم يمارس المواطن "المواطنة" ليشارك بالفعل لبناء الوطن والمحافظة على مكتسباته التاريخية والاقتصادية والسياسية.

حالات قليلة تلك التي يختار فيها مواطن ما وطنا بديلا، وحالات نادرة تلك التي يكون فيها الإنسان بلا وطن، ويصبح المكان الذي يرتاح فيه هو وطنه، هنا نكون أمام حالة من النفي، وما أكثر المنفيين عن أوطانهم في العالم العربي رغما عنهم، ليس بسبب فعل ارتكبه الوطن ذاته، إنما بسبب ما ارتكبه أخوه "المواطن".

وبما أن الحال ذاك، نستحضر اليوم بعضا من أبناء الوطن الذين سمّوا بناتهم بـ"وطن" تيمنا به، ولكنهم لن يستطيعوا أن يسموا أولادهم بـ"مواطن"!

سنستحضر اليوم أفكار الذين يعتبون ـ بحبّ ـ على أوطانهم، ليس منطقيا أن يذهب أحدنا إلى احتفال ما ليهنئ عزيزا ويحمل له العتب في وقت ذاته، إلا أن هذا الوطن العزيز "كبير" بما يكفي أن يستوعب كلمات "عتاب المحب" الصادقة.. هذه المرة على الأقل!

وهنا يقفز اليوم سؤال إلى الذهن يصعب أن يكون في خانة المجاملة والمحاباة، كما يصعب أن يكون في خانة الكراهية أو الإساءة، والسؤال هو التالي: لماذا يشعر المواطن بعتب ما تجاه وطنه؟

وللإجابة، نتأمل قليلا وضع المواطن ووضع الوطن، لنضعهما في ميزان النسبة والتناسب؛ فالواقع يقول إن الوطن السعودي ذو ثقل عالمي كبير على المستوى الديني "الإسلامي" والاقتصادي "النفطي" والسياسي "الدولي"، ولا ننسى أن هذا الوطن الغالي الكبير مستهدف باستمرار في أمنه واقتصاده وسياسته، نتيجة الكثير من التحولات والتغيرات والأزمات، لولا وجود رجال صادقين ـ بعد الله ـ يذودون عنه كل حين.

ولكن يقال إن العتب يبدأ من أمور صغيرة، وحين تتطور هذه الأمور لا يشعر المواطن أن وطنه أكبر منه، وهنا يكون الوضع عصيا على العلاج، فحالة الحب الوطنية الأولى تنطلق حين يشعر الإنسان في صغره بأن وطنه أكبر من أي شيء آخر، ولكن يتلاشى هذا الشعور الجميل حين يكبر الأبناء ويُصدمون بواقع آخر ومغاير، ليتحول شعورهم ذاك إلى شعور آخر، هو أن متطلباتهم ليست أكبر من قدرة الوطن وطاقته، ولكنهم في الوقت ذاته لا يحققونها!

يُفقد هذا الشعور المواطن بالأمان في وطنه على المدى البعيد، لا بل يتحول هذا الشعور إلى إشكال حقيقي حين يشعر الشباب أن الأوطان تلفظُ أبناءها، ولا سيما حين لا يجد آلاف الخريجين فرص عمل مناسبة ومتوافقة مع مؤهلاتهم، في وطن مليء بالوافدين الذين أُتخم كثير منهم بخيرات هذا الوطن الكريم المعطاء، وفي النهاية لا يجد الوطن والمواطن منهم إلا الإساءة مع شديد الأسف!

لا ينقص وطننا أي شيء، كل المؤشرات توحي بأن لدينا الكثير، إمكانات اقتصادية وسياسية وبشرية، وكفاءات مهنية وحرفية، ومع ذلك يجد المواطن نفسه أمام مشكلات صغيرة، تتطور مع الوقت في ظل ازدياد نسبة السكان، سواء في مجال البنى التحتية، أو قصور الخدمات الصحية والتنظيمية والخدمية، أو أزمة الإسكان والعقار والإعمار، أو تلك المتعلقة بإشكالية النقل البري والجوي بين بعض المناطق، وليس الأمر انتهاء بالحديث عن الفساد.. هنا نجد أننا أمام مشكلة "البيروقراطية" التي ما زالت تعيق استيعاب الكفاءات الوطنية، وتقف حجر عثرة أمام محاولات وحلول التحديث.

ودمت يا وطني عزيزا.