ما إن تسمع بمصطلح الـ"ضمير" حتى تشعر بالراحة، ويشعر بها من يمتلك ضميرا حيّا يتعامل به مع المحيط الذي يعيش فيه، لكن الضمائر أصابها التلوّث، والتصحّر الأخلاقي، وركضت في سباق لنيل الكسب المادي السريع. تنوعت الضمائر بعد التبدّل الأخلاقي والقيمي للناس، وتوجهت بوصلتها نحو "أوتوستراد" المنافع، ومنها: الضمائر الخاصة بـ"الرفع"، وهي موجودة بكثرة في أغلب بقاع الدنيا، تحت مسمى "السماسرة"، مهمتها البحث عن أشخاص يحبون الأضواء، فيرفعونهم حتى لو لم تكن لديهم مؤهلات، المهم أنهم يدفعون "سلفا" وبدون تردد وبسخاء. فهذه الضمائر إن رفعت الوضيع مكنته من الناس ورقابهم، ولقمة عيشهم، وجلبت الويلات والمصائب للمكان الذي يحل فيه. الضمائر المشتركة بين الـ"نصب" و"الجر"، هي الضمائر الفاسدة، والنتنة، جمعتها وحدة المنفعة، وتعتمد على أسلوب المحاصصة، وقوامها المنفعة الفردية الضيقة، وكأني أسمعهم يحرفون الأغنية، فيطلقون لحناجرهم العنان بصوت واحد كي تصدح بأغنية: (تجي نقسم "المكسب" أنا نص، وأنت نص..) مكاسبهم بدأت بالنصب على الفقراء، وجر هذه الشريحة البائسة ورميها؛ إما في سعير الحاجة أو التبعية المطلقة. أما الضمير المشترك بين "رفع" و"نصب" و"جر"، ففيه تتسع الدائرة أكثر فأكثر، لكن القسمة هنا على ثلاثة، "السماسرة" يرفعون أيديهم بالدعاء كي يقع في فخهم ضعاف النفوس، فينصبون على الدوائر والمؤسسات، ويجرون المناقصات والعقود للمقاولين، ويكتبون على بوابة بيوتهم بخط عريض وجميل "عين الحسود فيها عود"..
مشاهدات واقع الفساد الذي تبثه الفضائيات يومياً، والتي تتحدث عن تمدد الفساد وطرق مكافحته؛ جعلتني أقول: كل هذه الممارسات نتيجة السبات الدائم لضمير الفاسدين، وتهاون الرقابة وضعف المحاسبة.