يفتح الكاتب العراقي فاضل الربيعي في كتابه الجديد (جبريل والنبيّ) أبواب النقاش التاريخي والعلمي، حول صدقيّة (المرويات الإسلامية) وإمكانية إعادة تدقيقها والتحقّق مما نقلته لنا من تصورات وأفكار وشخصيات. وفي هذا السياق يثير الربيعي التساؤلات والشكوك بشأن (تاريخية) بعض الشخصيات الإسلامية، مثل دحية الكلبي الذي زعمت المرويات الإسلامية أنه جبريل؟ وأنه كان يأتي النبيّ في صورته كرجل بشري؟ ويلاحظ أن شخصية دحية الكلبي لا وجود لها، وأنها تدور في نطاق تراجيديا دينية كبرى في تاريخ الإسلام عن تحوّل الملاك إلى إنسان، وقد سجّلتها المرويات العربية الإسلامية في مئات المصادر، لكنها لم تلفت انتباه دارسي الأدب القديم، ولا كتّاب التاريخ كذلك. ومع هذا، سوف تظل - برأي الربيعي - واحدة من أعظم التراجيديات الأدبية القديمة المكتوبة بلغة التاريخ الديني؛ فهي تتحدث عن مأساة جبرائيل يوم هبط من السماء والتقى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم أصبح رجلا له اسم بشري وينتسب لقبيلة من قبائل العرب. وهذه التراجيديا التي كُتبت كسردية تاريخية، دخلت في صلب التاريخ الرسمي للإسلام، وأضحت جزءًا عضويًّا من الرواية السائدة عن النبيّ وعلاقته بالوحي السماوي. بيد أنها قد لا تكون حدثت في الواقع قط، ذلك أن الشخصية التي يُزعم أنها لعبت الدور المركزي فيها، هي شخصية لا وجود لها، وقد تكون من تلفيق رواة العصر الأموي. وهؤلاء قدّموا تأويلات تعسفية لنصوص القرآن، لا عدّ ولا حصر لها، ومنها تأويل الآية التي تتحدث عن تحوّل الملاك إلى رجل بشري. كتاب مثير يستحق نقاشًا هادئًا وعلميًّا حول (التاريخ الرسمي للإسلام).