ماذا يتوقع من المواطن تجاه بلاده؟.. أعتقد أنه بالإمكان جمع ما يتوقع منه في كلمة واحدة ألا وهي "الانتماء" يتوقع منه تفعيل مضامين هذه الكلمة على أرض الواقع، وهو ما لا يكون برص كلمات رنانة يطلق لها العنان في يوم ما أو ساعة ما، أو مكان ما، الإخلاص للوطن في الداخل والخارج انتماء، إتقان العمل انتماء، والجد والاجتهاد انتماء، والالتزام بآداب التعامل مع الغير انتماء لوطن يستحق الكثير.
ومن المؤكد أنه لا يمكن للأسرة بمفردها تثبيت هذه المفاهيم في نفوس أولادها، فلكل من المجتمع المدني والتعليم والإعلام دور هام في بناء هذه الخصائص والمبادئ في نفوس المواطنين.
وعندما نتحدث عن الوطن علينا أن نتدبر معطيات هذا الوطن وأبعاده فبلادي بحمد الله خصها الله بخدمة بيته الحرام مهبط الوحي وقبلة المسلمين وخدمة المسجد النبوي الشريف، خصنا بخدمة الحجاج والمعتمرين، كما أكرمنا بنعم هي من عوامل تدعيم سياستنا في الداخل والخارج، فعلى سبيل المثال لا الحصر التنمية البشرية فاقت ما هو مأمول فعدد المتعلمين من أصحاب الشهادات الجامعية والعليا في ازدياد مطرد مما دفع البعض للمطالبة بتضييق التعليم الجامعي المجاني بكافة تخصصاته ليكون للمتميزين، وفتح المجال للتعليم الجامعي الخاص، فكان رد الحكومة إنشاء المزيد من الجامعات بتخصصات متعددة، وفتح المجال لقبول المزيد من الطلاب عاما بعد عام، بل لإبقاء البعثات الخارجية وإقرار الابتعاث الداخلي.
الحقيقة أننا كمواطنين نطالب بالمزيد مع يقيننا أن هناك خططا وطنية استراتيجية وتكتيكية لها الأولوية بالنسبة للحكومة، خطط تنظر للمدى البعيد والقريب، ولكن علينا ونحن نطالب بالمزيد أن نعمل على تقديم المزيد، فعلاقتنا بأوطاننا عليها أن تكون قائمة على الثوابت، فالحب من طرف واحد محكوم عليه بالفشل، وعدم تقديرنا واحترامنا وإخلاصنا وحرصنا على الطرف الثاني سينهي العلاقة وقد يقتلها، فإذا تقدمنا بطلب ما نعتقد أنه حق لنا علينا أن نقدر تلك الجهة التي قامت وتقوم برعايتنا سواء تمكنت من الاستجابة لتطلعاتنا أو عجزت لسبب أو لآخر عن ذلك، فإذا كنت تحب والديك وتقدرهما وهما في بعض الأحيان يرفضان ما تطلب دون إبداء أسباب الرفض.. مكتفيين ببيان عدم قدرتهما على تلبية طلباتك، أو أن الأمر ليس في صالحك.. يفعلان ذلك وهما مدركان تماما أنك ستحزن، وقد تغضب من موقفهما الذي تعده على الأغلب سلبيا أو مجحفا بحقك.
هما يفعلان ذلك لأن نظرتهما الاستباقية للمستقبل تحذرهما من مجاراتك في كافة طلباتك.. فالمراهق على سبيل المثال غاضب لأن ابن عمه الجامعي امتلك سيارة، في حين منعه والداه من القيادة لأنه لم يبلغ السن القانونية التي تسمح بالحصول على رخصة، والمراهقة ابنة الـ12 عاما تغضب لأن والدتها منعتها من وضع مساحيق التجميل على وجهها وارتداء أحذية الكعب العالي، وقد يغضب الطالب الجامعي لأن أمه تمنعه من التغيب عن جامعته وتتابع نشاطه عن كثب، بل يغضب من والده لأنه يسمعه محاضرة بشكل دوري عن تحمل المسؤولية واحترام النفس، بل لأنه يتصل به لو عمد للسهر خارج البيت مع أصدقائه، يغضب من ذلك كله وقد يشكل حلفا من الإخوة والأخوات، حلف مع أنه بلا صلاحيات إلا أنه ومن خلاله يتم البحث عن كيفية تقوية الجبهة الداخلية، وكيفية إيصال الأصوات للوالدين اللذين دأبا على متابعة أمورهم وتنظيم حياتهم بقوانين يرفضون الالتزام ببعضها ويستثقلون الآخر.
وطننا في تعاملاته معنا يستخدم السياسة نفسها يتابعنا كمواطنين ويسعى لما هو في صالحنا فيوفر لنا الكثير الكثير وقد يمنعنا في ما نرى أنه حق لنا، ولكن في كل الأحوال سواء كان مخطئا أم كان في تقديراته على صواب، ليس لنا أن نتجاوز وننسى ونتطاول، وبرنا وطاعتنا لولاة أمرنا يماثل بل يزيد عن واجبنا تجاه والدينا، هذا ما تعلمناه من تعاليم ديننا الحنيف تجاه ولاة أمرنا، فكيف بوطن اتخذ أهله من كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله دستورا لهم.
نعم هناك من الأخطاء التي لا بد أن تعالج، ومنا من لا يتورع عن الظلم وسلب الحقوق، وهؤلاء عليهم أن يعلموا أن الأبواب أصبحت مفتوحة بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بأمر من خادم الحرمين الشريفين، عليهم أن يعلموا أن احترامنا تقديرنا لهم كان بسبب خدماتهم للوطن لا بسبب أشخاصهم المجردة.. ولا بسبب كراسِ خصصت لهم..
كما أتمنى أن تفعل المؤسسات الخاصة حب الوطن ليس بلافتات ترفع ليوم أو يومين بل بعمل وطني مشترك يحصد الوطن ثمرته، عمل مؤسسي يخدم الوطن تعليميا وصحيا أو حتى ترفيهيا كبناء مركز ثقافي ترفيهي يشابه على سبيل المثال مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية "سايتك" أو بناء مدرسة نموذجية أو مستوصف، أو بتخصيص مبنى في حي من الأحياء ليكون مركزا ثقافيا.. إلخ.