في "تذاكر العودة" العمل الروائي الأول للكاتب عمرو العامري تبدو الشخصية الرئيسة عبدالله وهو يتحدث عن مجتمعه كمن يعيد إنتاج نقده المجتمع بالتقرف ذاته واللغة النافرة الحانقة الاستعلائية التي انتشرت منذ ظهور شبكة الإنترنت، في الوقت الذي تنتظر القارئ لغة ذات بنية لها استقلاليتها الأدبية والمعبرة عن شكل وعمق الوعي الذي كان ينطق به متذمرا من واقعه. يتلقف العامري سؤال "الوطن" هنا، بقوله إنه لم يلتفت حين كان يكتب إلى اللغة كثيرا، بعد أن يؤكد أنه لا يستطيع الآن تغير قدر أي شخصية من أبطال الرواية، ويضيف: فقط كنت أريد أن أكتب.. كنت بحاجة إلى أن أكتب.. وكنت أيضا مدفوعا بعامل الزمن وكنت - وهذا هو الأهم - متحررا من هواجس النقد والرسالات التي يظن البعض أنه يقدمها للمجتمع. كنت فقط أكتب وهذا هو عبدالله المساعد الآن ولكم أن تقتلوه إن شئتم.. وسأكون سعيدا لو فعلتم.

ولأن الفعل الروائي عادة عنصر مهم ينتج لغته ويشد إليه شخوصه بما هو معير عن تباين الشخوص، ربما يلحظ قارئ العمل مستوى لغويا يكاد يكون واحدا، عدا شذرات من تداعيات الشوق لعبدالله في غرامياته. وهنا لا يتردد العامري - الذي أصدر 3 مجموعات قصصية، وسيرة في "ليس لدى الأدميرال من يكاتبه" - في إعلان رفضه الدفاع عن عمله قائلا: لنفترض أن ما تراه صحيحا ولك أن تعده ضعفا في البناء الروائي، أنا شخصيا لا أعرف ما هو تعريف مفردة "الفعل الروائي" لن ألعب دور محامي الشيطان هنا.

وتشكل أفريقيا، أوغندا تحديدا، مسرح الأحداث الرئيسة، للعمل. لكنها حضرت بالصورة النمطية المكرسة ذاتها، ويبرر العامري عدم الذهاب لما هو أعمق بما يقدم واقع تلك المجتمعات عوضا عن المقاربة لسطحها بشكل خال من الغنى المعرفي، موضحا: لم تكن أوغندا أو أفريقيا هي الهدف الذي كنت أكتب من أجله.. أعني ثقافتها وجغرافيتها وتنوعها العرقي.. هي فقط كانت المكان الذي تصارعت فيه أقدار الأبطال.. عبدالله وخضر ومريام، وربما معمر وجمال وفيصل. كان الدبلوماسي عبدالله والشخصية الدينية خضر المهمش مريام، بحاجة إلى تجسيد عوالمهم وكانت أوغندا هي المركب الذي حاولت حشرهم فيه ومن خلالهم كان المجتمع الذي حاولت الكتابة عنه هو الحاضر.

وأنت هنا تعيدني للحديث أو الشرح أو التبرير وهو ما لا أجيده ولا أفضله.. وكما قلت لك شخوص الرواية لم يعودوا ينتمون لي الآن بعد أن أطلقتهم.. بل أحاول ألا أتنكرهم ولكم وحدكم محاكمة خيباتهم والتي هي في النهاية خيباتي أنا.

وتتميز لغة الحب في الرواية، بحسيتها، إلا أن العامري يعدها غير ذلك واصفا إياها: الحب في الرواية هو إلكتروني أو افتراضي بالمجمل بل إن العشاق لا يلتقون أبدا ويظل حبهم متخيلا عدا لقاء عابر لسميرة بمروان. أظن أن هذا الحب (السهل) هو قائم الآن والذي لم يعد أصيلا كقيمة ولا شرعيا يولد عبر تواصل إنساني عميق.. وبالتالي لا يمكن تأصيله كقيمة اجتماعية خالدة وهو يولد اليوم ليموت غدا.. لأنه يقوم على المتخيل في المجمل.

وحيال من يصف لغة الرواية بأنها أقرب لأن تكون في عمومها لغة وصفية، أكثر من كونها لغة فعل تخلق عوالم موازية لما هو واقع، يؤكد العامري: لا أستطيع موافقة أو نفي ذلك كما لا أمتلك تبريرا.. كل ما أعرف هو أني أنحاز دائما للغة ولا أوغل كثيرا في التفاصيل والجزئيات. أنا أعتقد أن القارئ الآن لم يعد يهتم بلون حذاء البطلة ولا تفاصيل الحارة التي يخرج منها البطل. أصبح القارئ يقفز الصفحات قفزا ليصل لمجمل الحكاية.. وهذا ليس تبريرا بقدر ما هو اعتقادي عندما كتبت الرواية.

حين تسأل العامري: العلاقات بين شخوص الرواية هل ترى أنها عبرت عميقا عن حركة الواقع الاجتماعي بصورة مختلفة عن الاعتيادي الذي تمارسه الكتابة المقالية التي قد تتغير عن حقيقة الصراع وماهية الوعي المكبوت؟

يرى أن السؤال (غير البريء) يعيده إلى سؤال اللغة الوصفية والعموميات دون المحتوى الفلسفي للنص وتحميل الدلالات مباشرة على لسان الأبطال. ويتابع: ربما هو ذلك ولكن هذا ما أعتقدته عندما كتبت وما سأكرره لو أعدت الرواية وربما بقليل من الحدة لا أكثر. بعد العمر والقرءات والتجوال الطويل والخيبات التي لا تعد شعرت أنه لدي ما أريد قوله مباشرة وعبر عمل روائي وشخوص مفترضين أو حتى قريبين من الواقع. ومن أجل هذا كتبت.. هل أخطأت؟ هل أصبت؟ أجدت أم فشلت؟ ذلك وحده القارئ من يجيب. وأنا الآن متحرر من كل شيء.