لا شك أن مشهد المعلم الذي قام بتمزيق المقرر التعليمي أمام طلابه، يجعلنا نتوقف عند الكثير من المواضع والتساؤلات حول هذا المشهد، فالفرد الذي يتردى في تعليمه إلى درجة التعقيد النفسي، إضافة إلى جملة من تراكم المكتسبات الثقافية، التي كانت تدعم ذلك النمط من أساليب التعلم في الوقت الذي لا يسمح للطالب فيه بالمناقشة أو حتى التساؤل، إنما بمثابة البرمجة على الإفساد، فإنه سيجد لتلك العقد منفذا حينما يقف في مكان معلمه، وسيمارسها بالضرورة على طلابه.

لو تحدثت عن نفسي "بوصفي أما"، ووضعت في توقعي أن معلم طفلي سيلوث تفكيره بمثل هذه السلوكيات، فسأتوقف فورا عن دفعه إلى المدرسة، فإن كان من المفترض أن تسهم المدرسة في بنائه العلمي والتربوي مساندة لمحيط أسرته، إلا أن مثل هذا التصرف سيكون إفسادا لعقله بطريقة تطغى على هدف تعلمه، وسيكون له التأثير الأكبر الذي قد الحق الضرر بأجيال سابقة أورثت العنف النفسي في سلوك الطلبة، من حيث يبدو هذا المعلم واحدا من نماذجها، وبذلك سيصيبنا التوجس بشأن التربية التي سيخرج بها أبناؤنا في نقطة الالتقاء المرتقبة التي ستجمعهم مع مجتمعهم.

إن الجرأة على تمزيق الكتاب وإملاء هذا السلوك والفعلة الشنيعة على طلاب الصف الذين مايزالون أطفالا، هو بمنزلة الجرأة على إفساد قلوبهم وتربيتهم قبل عقولهم، وصاحب هذا التمظهر البطولي بحاجة إلى تربية وإعادة تأهيل؛ لأنه ليس كفئا لأن يودع الناس أطفالهم بين يديه ومن هو على شاكلته.

كلنا ندرك أن التعليم مرَّ في السالف بمرحلة سيطرت فيها اتجاهات معينة، ونتأمل من الوزارة بتجديد هذا الكيان المهم، وألا يبقى نظام تعليمنا عاجزا أمام التقدم العالمي، وأن تضع في أول خطواتها إيجاد المعلم الناجح، فمقاييس العالم للتعليم ليست بعدد الطلاب الذين يحضرون الطابور الصباحي، ولا بكثرة أعداد من اجتازوا الاختبارات النهائية، ولكن بقياس الأثر الذي حققه التعليم في المجتمع، وبقياس المخرجات، ويطال ذلك تغيير العملية التعليمية بكل مراحلها وسياساتها، وتجاوز مبررات الإخفاق الذي يعيق الإصلاح، وكل هذا ينطوي تحت وعينا بأنه من المستحيل أن تنجح الأمة ما بقي تعليمها متأخراً.