في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي حدث في أيرلندا ما غير تاريخها إلى الأبد. هاجمت آفة زراعية محاصيل البطاطس في أوروبا والمنتج الزراعي الرئيسي في أيرلندا مما أدى إلى مجاعة شديدة ذهب ضحيتها ثلث الشعب الأيرلندي.

تقول المراجع التاريخية كانت أيرلندا -الخاضعة وقتها للمملكة البريطانية- قادرة على تجنب تلك الخسارة العظيمة لو أن الأيرلنديين كانوا يعملون بغير الزراعة، لكن القانون البريطاني كان يلزم الكاثوليك الأيرلنديين بالعمل كفلاحين ولا يسمح لهم بأي عمل آخر فكانوا يستأجرون الأراضي من الملاك الإنجليز والذين لم يهتموا بمسألة الآفة الزراعية تلك وبحكم القانون أجبروا على دفع إيجار أراض مات محصولها، ولم تعبأ الإمبراطورية -التي لا تغيب عنها الشمس- بهم.

في بقعة أخرى من الأرض كانت هناك طائفة من المعذبين في الأرض، ألا وهم الأرمن الذين تعرضوا لأكبر مجزرة في التاريخ تزامنت مع الحرب العالمية الأولى. تشير بعض المراجع بأصابع الاتهام إلى الخلافة العثمانية، لكن ذلك غير منطقي أبدا إذا علمنا أنها كانت الرجل المريض في أوروبا، ولم يعد يتمتع السلطان عبدالحميد الثاني بأي سلطة منذ سنة 1909، بل أصبحت السلطات في يد جماعة الاتحاد والترقي والتي هي صناعة فرنسية، وبالمناسبة هي رافضة للإسلام وشريعته.

انتشرت في الإنترنت صور لتاريخ الفرنسيين والإسبان في الجزائر والمغرب يحملون رؤوساً لمجاهدين مسلمين متفاخرين بما فعلوه بها، تماماً كما يفعل إرهابيو "داعش" اليوم.

قبل ذلك بثلاثة قرون قامت محاكم التفتيش في إسبانيا بحملة إبادة لليهود والمسلمين الذين نجا بعضهم ففروا بسفينة واحدة نحو المغرب العربي للاحتماء بالإسلام وأهله.

إذا انتقلنا عبر المحيط فسنشاهد قصة أكثر شناعة وبؤسا. قصة الهنود الحمر الذين أبيدوا باسم الرب وبدعوى أنهم يعبدون الشيطان وهم كفرة وذلك على أيدي المهاجرين الأوروبيين.

في العصر الحديث كانت مارجريت تاتشر تفرض الضرائب الأقسى على الأسكتلنديين بعد أن فرض أجدادها على الشعب الأسكتلندي الاتحاد، وفي الجنوب كانت وكالات الأنباء تتناقل أخبار قتل المساجين في أيرلندا واستعمال الرصاص البلاستيكي تجاه الأطفال الأيرلنديين الذين كانوا بالمناسبة يرمون الحجارة على الجنود البريطانيين.

إنك تجد عددا من المحللين الغربيين بذاكرة ضعيفة، لدرجة تعتقد وأنت تقرأ مقالاتهم المليئة بالحقد على المملكة أن حضارتهم قامت بتوزيع الشوكولا على الشعوب التي تم احتلال أراضيها!

إن اجترار التاريخ للبحث عما يعيب المملكة العربية السعودية لهو مشهد مضحك، فكل دولة في العالم قامت كان لا بد أن تسيل بعض الدماء فيها هنا وهناك ثمة من يرفضون التوحد والقوة مما أدى إلى مواجهات عسكرية، ولو سألنا أحفادهم اليوم لحمدوا الله على خسارة أجدادهم معاركهم مع الدولة السعودية مما أدى إلى الوحدة.

معظم تلك المقالات كانت تبحث عن ربط تاريخي بين "داعش" ونشأة المملكة. "داعش" التي يقودها رجل عراقي لبث في سجن الأميركيين سنوات وخرج بثلاثين مليون دولار. "داعش" التي لم تؤذ النظام الدموي الأسدي الذي تسعى المملكة لتحرير سورية منه.. يبحث هؤلاء عن رابط بينها وبين المملكة!

هؤلاء المحللون ولا شك يرون قاسم سليماني الإرهابي الإيراني في بغداد والذي يتزعم ميليشيات تهاجم السنة في مساجدهم حمامة سلام وليس إرهابيا! لأن اعتباره إرهابياً سيقودهم إلى دولة أخرى غير السعودية، وكذلك الحال مع حزب الله وغيره.

نعم لقد خرج من المملكة 2500 شاب تصفهم المراكز العالمية المتابعة للوضع في العراق وسورية بأنهم حدثاء سن ومراهقون، فلماذا تدان السعودية ولا تدان دولة كتونس مثلاً خرج منها أكثر من هذا العدد ومعظمهم رجال كبار في السن؟!

نعم أسامة بن لادن ولد في المملكة، لكنه لم يكن العقل المفكر للقاعدة، بل كان أيمن الظواهري الذي لا يتحدث أحد عن علة بقائه في طهران! ولماذا يعيش كل هذا الأمان فيها وليس في الرياض لو كانت الرياض تصدر الإرهاب!

في الواقع أن النموذج السعودي هو المقلق للغرب لا إيران أو غيرها، خاصة مع إجراءات التغيير التي منحت السعوديين الفرصة لحياة أفضل بكيان أعظم حتى مما حلم به أجدادهم وهو يوحدون هذه الأرض ويبسطون عليها فهمهم لشريعة الله في أرضه.

لسنا نجترح المعجزات لكننا قادرون على صناعة الاختلاف، سواء صدق هؤلاء أو لم يصدقوا.. نحن نصنع السلام ونريده ونعمل عليه.. لدينا أخطاؤنا لكنها لا توقفنا عن عمل الصحيح.