كان الموت يدب كالوحش المسعور، ويدك في ضراوة كل نداءات ورغبات الحياة عبر التاريخ، ويوزع القهر الجمعي وطفرات الويل والأوجاع على كائنات الشتات والفرقة، والصراع المرير المنحدر من متاهات العصبيات المأزومة والقبليات الشوهاء، قيض الله لها وفي منعطف تاريخي رافع راية التوحيد وصقر الجزيرة و"أبا العروبة" كما يقول "بشارة الخوري" فتحولت رمالها الغبراء إلى فراديس يانعة، واخضرت الشمس فوق رؤوس الجبال، وصعدت الابتهالات كالعبق اللذيذ من مآذن الحجاز وأم القرى، هكذا أبصر الكون خيوط الضوء وهي تنسل في شرايين الوطن الكبير، ليتحول إلى مرايا من نور وقلاع رافلة بالفرح، وأيام خضر مشرعة للصباحات والغيمات ومراكب التحضر، وليستيقظ الوطن من سباته الدفين ومنافيه المتخثرة، ليعتلي صهوة العصر ورياح الوقت وعربات الفصول في تبدلات أزلية، مما حوله إلى أغاريد وتمتمات ولغات محكية على لسان المؤرخين، وأقواس انبعاث وإلهام لكل الأبجديات الشعرية في الوطن العربي، فتعاطوا السجال الواعي والإسقاطات النفسية والتاريخية، والتجاذب الاحتفائي مع لحظة التوق المتلهف والمخبأ في أرواحهم، لينثروا ما توارى في دواخلهم من مخزون الخيبة والانكسار والمناحات العظيمة، ويستبدلوه ببشارات انبلاج الفجر واستفاقة الينابيع وأرجوحة الأمل.
يقول الأخطل الصغير من لبنان:
عبدالعزيز أصاب العرب بغيتهم
لما طلعت عليهم أنت والأمل
عبدالعزيز وما أومت أكفهم
إلا إليك إذا قالوا من الرجل؟
عبدالعزيز ومن يرجى سواك لها
والخطب يفجأ والأحداث ترتجل
العرب في كل بيت من بيوتهم
عرس وأنت لرب "البيت" تبتهل
أبا العروبة لا ترضى به بدلا
ولو تنكب عنها أعجز البدل.
ويقول الشاعر محمد أحمد منصور من اليمن:
من كعبدالعزيز قد وحد الشعب ولولاه أصبحوا أفرادا
من كعبدالعزيز إن وطئت رجلاه في الشرق أنبتت أمجادا
من كعبدالعزيز قد حام كالصقر وقد رد ملكه واستعادا
قد حمى الكعبة المشرفة الغراء وآوى الحجيج والوفّادا
ملك لم يمت له اليوم مجد فهو حي يزاحم الأطوادا.
ويقول الشاعر علي محمود طه من مصر مخاطبا الملك عبدالعزيز عام 1946 لحظة استقبال الملك فاروق لجلالته على ظهر "المحروسة":
سلاماً طويل العمر مصر تبثه
بأعذب ما رفت به شفتان
وللنيل أمواج يثبن صبابة
بأفراح دور فوقه ومغاني
إلى أن يقول:
يؤم بها رب الجزيرة مصره
وما هي إلا فرحة وأغاني
هما عاهلا الشرق العريق وركنه
هما حصنه الواقي من الحدثان
هما الحب والإيمان والمجد والندى
تمثل في آياتها ملكان.