عندما قرأت عنوان خبر طفل جازان المعنف في الصحف ووسائل الاتصال الاجتماعي، وعندما رأيت الصورة لرأس الطفل المسلوخ، والمحروق ذهب تفكيري بعيدا، فكنت أفكر أن ذلك ناتج عن عملية ضرب تعرض لها من زملاء له بينه وبينهم شحناء، أو نتيجة لتعرضه لعملية اختطاف وتعذيب من أشخاص غرباء أو مجهولين، خاصة أن الحادثة وقعت في محافظة يوجد بها مجهولون من جنسيات مختلفة، وبعدما قرأت تفاصيل الخبر ذهلت عندما كان المعنف هو الأب، وهنا أتساءل ومعي كثيرون: هل هذا يستحق أن يكون أبا؟ وهل لديه من معايير الأبوة شيء؟ وهل يتمتع بصفة الشفقة والعطف على أبنائه؟ وقد يكون هذا الشخص لديه دوافع انتقامية خاصة أنه منفصل عن زوجته وبقية أبنائه.

ومن المعروف أن للأبناء حقوقا عديدة على آبائهم كفلها لهم الإسلام، وطالب الآباء أن يقوموا بها، أو يوفروها في حدود إمكاناتهم لكي يسهموا في تربية الجيل الجديد تربية سليمة، ومتوازنة مثل توفير الغذاء، والكساء، وتعليمه، وتربيته تربية إسلامية معتدلة؛ حتى إن معاقبة الأبناء في حالة استحقاقهم للعقوبة تم تحديده بطريقة متدرجة بعيدة عن العنف، والتهور في العقاب النفسي، أو البدني، فقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الضرب المبرح للأبناء، وعن الضرب في الوجه، وحادثة الطفل علي تعدت كل الحدود سواء في الأسلوب، أو في نوع العقوبة، أو درجتها؛ فالسلخ لا يكون إلا لما أحل أكله من الحيوانات بعد ذبحها، وما فعله والد علي من سلخ، وحرق لرأس ابنه ما هو إلا تصرف يفتقر للرحمة، ويدل على عدم إلمامه بدوره كأب، وكان السبب الرئيس لتعذيب علي هو عدم موافقته على طلب والده لتزويده بالمال بأي أسلوب كان سواء عن طريق التسول، أو السرقة، وهذا عكس ما هو متوقع من الأب؛ حيث هو مسؤول عن توفير ما يحتاجه الابن في هذا العمر، كما هو مسؤول عن تربية ابنه تربية سليمة، ومعتدلة بعيدا عن تشجيعه على السرقة، وبناء شخصية مجرم في المجتمع وهو في مقتبل عمره، وفي كثير من الدول المتقدمة إذا لم يقم ولي الأمر بواجبه نحو طفله، أو قام بتعذيبه يتم أخذ الطفل من الأسرة من قبل الجهات الأمنية وإيداعه في أماكن مخصصة، والتعامل مع ولي الأمر حسب النظام، لذلك نجد أن أولياء الأمور في تلك الدول يتعاملون برفق مع أطفالهم خوفا من المساءلة، ومن ثم المحاسبة، وأين نحن من ذلك؟ مع أن ديننا الحنيف يحث على التعامل مع الغرباء باللطف واللين، والأقارب هم أولى بذلك.

حقيقة أن ما تعرض له الطفل علي من سلخ لفروة الرأس، وصب مواد كيميائية حارقة على الرأس المسلوخ جريمة كبيرة، وأسلوب من أساليب العقاب المشينة، والدخيلة على مجتمعنا التي ابتكرها والد الطفل علي، ويجب أن تتحرك هيئة حقوق الإنسان، وفرع جمعية حقوق الإنسان بجازان لإنصاف الطفل الضحية من والده، الذي تخلى بتصرفه غير المقبول عن أبوته، وعنّف ابنه من خلال سلخ رأسه، وحرقه، وإذا لم يوقف هذا الأب عند حده، وتتم معاقبته بشكل يتناسب وجريمته فقد يظهر كثير من الآباء يتصرفون بسلوكيات مع أبنائهم أو بناتهم أشد وقعا من تلك التي عانى منها طفل جازان المعنف؛ لأن "من أمن العقوبة أساء الأدب".

وحالة العنف التي تعرض لها طفل صبيا بمنطقة جازان ليست هي الوحيدة سواء في منطقة جازان أو غيرها من مناطق المملكة، ولكنها هي التي ظهرت أو برزت في وسائل الإعلام المختلفة، وأنا على يقين بأن هناك حالات عنف مختلفة يعاني منها كثير من الأطفال، ومصدر هذا العنف هو أقرب الناس لهم، ولكنها لم تظهر، وتبقى داخل البيوت، وهذه مشكلة اجتماعية بحاجة لدراسة وتقصٍّ من قبل المتخصصين في علم الاجتماع، والخدمة الاجتماعية لتوضيح الأسباب والحلول المناسبة لمثل هذه السلوكيات للحد من العنف الموجه للأطفال.