أفترض أنك لست سعيدا بما فيه الكفاية، فكونك تجاوزت العنوان إلى قراءة المقال فأنت بالتأكيد بحاجة ـ مثلي ـ لجرعة من إكسير السعادة، أو لنقل "سر" السعادة، ولكن هل يوجد شيء ما يطلق عليه "سر" السعادة؟

هل هناك "سر" دفين للسعادة؟ يعرفه "فلان" ويغيب عن "علان"، أم أنها بلا أسرار أو خفايا؟ الحقيقة أنها كذلك؛ فليس هناك "توليفة" سرّية للسعادة، ولا توجد هناك معادلة محددة لا يعرفها إلا قلة قليلة من الفلاسفة أو الحكماء، بل هي مجرد أفكار ونصائح تساعد على الوصول إلى السعادة، وكثير منها ـ كما تعرفون ـ بسيط لدرجة أن الجميع يعرفها! بيد أن مشكلة الكثيرين أنهم لا يقتنعون إلا بالأفكار المثيرة والخطط المعقدة، فهم لا يصدقونك حينما تقول: "إن الاهتمام الحقيقي بتنمية العلاقات الاجتماعية المتوازنة، والابتعاد عن ضغوظ العمل اليومية، هي أولى لبنات السعادة"، حينها سوف ينظرون إليك شزرا، ثم يعيدون النظر من جديد ليقولو: آه نعم هذا صحيح، ولكن ما "سر" السعادة الحقيقي؟!

بالطبع كما هو السؤال الأسطوري الآخر عن "سر" تخفيف الوزن. صديقي دعني أصدقك القول: "لا يوجد هناك "سر" للسعادة لا يعرفه أحد"!

ولكن ماذا لو فكرنا بالسعادة من خلال منظور علمي محدد، ودرسنها بشكل منهجي، من خلال ربطها بالعوامل المؤثرة عليها، مع ملاحظة أن لحظات السعادة بحد ذاتها تختلف باختلاف اللحظة نفسها، فسعادة تذوق طبق تتلذذ به تختلف ـ بالتأكيد ـ عن سعادتك حينما تجالس أطفالك.

وهذا بالضبط ما عمل عليه الدكتور Matt Killingsworth المتخصص في أبحاث "السعادة" كما يقول، حينما أسس قبل سنوات مشروعه العلمي الفريد: "تتبع سعادتك"، الذي يهدف إلى الدراسة والتحقق من أسباب "السعادة" البشرية، واستخدم لذلك موقعا إلكترونيا أسماه: www.trackyourhappiness.org، الذي من خلاله يسجل المشترك رقم هاتفه المحمول، ليستقبل على مدار اليوم مجموعة متلاحقة من الأسئلة المتتالية، كما لو كان في جلسة علاج نفسي مع طبيب نفسي! إذ تهدف تلك الأسئلة إلى حث المشتركين عن الإبلاغ عن مشاعرهم في اللحظة التي تسبق وصول الرسالة النصية، وتبدأ الأسئلة بالتساؤل عن وضعك اليوم؟ ثم السؤال المهم: هل يجب عليك أن تفعل ما تفعله الآن؟ البعض قد يتردد في الإجابة أو يفكر بإجابة مثالية، لكن السؤال يحصرك في خيارين لا ثالث لها: نعم أو لا! ثم تأخذ الأسئلة بالتعمّق: عن إنتاجيتك، وعن نومك، عن وجباتك الغذائية، ثم نصل إلى السؤال الأهم: هل تريد أن تقوم بما تقوم به الآن؟ والجواب أيضا محصور بالموافقة أو النفي، وهي اللحظة التي يقول عنها الدكتور "مات"، إن الكثيرين يصِلون فيها إلى الاستنتاج أنهم لا يجب أن يقوموا بما يقومون به الآن!؛ لأنهم يفكرون في أشياء أخرى تختلف تماما عما يفعلونه الآن، بيد أن الأسئلة تنتقل إلى مستوى آخر بالسؤال عن ماهية هذه الأشياء الأخرى: هل هي مناسبة لك؟ هل هي مسعدة لك؟ إلخ.

استهدفت الدراسة ملاحظة لحظات السعادة وما يليها من لحظات بؤس وشقاء، وتأثير الأماكن والظروف على ذلك، الأمر الذي جمع لدى الباحث كمية معلومات إحصائية هائلة، مما مكّنه من الخروج باتجاهات وأنماط التكفير المحددة للسعادة، ولحظاتها، وماهية الأشياء التي نفكر بها خلال لحظات السعادة نفسها، وخرج بمعادلة لكل هذا، إذ أثبتت تلك الدراسة العلاقة المباشرة بين مستوى سعادة الفرد ومضمون تجارب وأحداث يومه، وأن تلك التجارب التي يمر بها هي مدخله للسعادة المتواصلة، وأن هناك نسبة ترابط بين لحظة سعادة واحدة مع مستوى الرضا الدخلي عن حياة الإنسان، وهنا مربط الفرس الذي يحاول الباحث تحديده، وهو أن مشاعر التفكير في أشياء أخرى غير سعيدة هي ما يسيطر علينا خلال لحظات السعادة نفسها، بل والخوف من انتهاء مرحلة السعادة هو ما يجعلنا نفقد الإحساس بلحظاتها الجميلة بسرعة، والأسوأ من ذلك أن سيطرة التفكير السلبي هي ما يجعلنا نخاف من الاقتراب من السعادة في أحيان، والهرب منها في أحيان أخرى.

صديقي، البحث عن "السعادة" هو مطمع الجميع، بيد أن الكثيرين بعيدون كل البعد عنها والسبب يعود لأنفسنا أولا، ذلك أن التفكير في شيء آخر غير الشعور بالسعادة هو أسرع معول لهدمها دون أن نعلم، فهلا بدأنا بأول خطوة نحوها، وهي أن نستشعر مشاعر السعادة وحدها حينما نفرح وحينما نسعد؛ حينما نستقبل خبرا سعيدا أو مولدا جديدا، أو حتى حينما نحقق نجاحا بسيطا، المهم هنا أن نؤجل أفكارنا الأخرى وهمومنا المتعددة لوقت لاحق، حينها سوف تحس أن الدنيا كلها وبسعة أفقها لا تستطيع أن تسع مقدار سعادتك، والأجمل أن ذكرى سعادتك تلك سوف تبقى مخزنا تعود إليه كما أدبرت دنياك وأظلم مستقبلك.

ولكن وكأني بك صديقي تعود وتتساءل من جديد: أين "سر" السعادة؟ والحقيقة أنني لا أعرف سرا واحدا لها، فأنت وحدك من يستشعر سعادته، وأنت وحدك من يستطيع أن يسعد دون يعرف سرها الدفين.