في عيد الفطر الماضي قمت برفقت زوجتي بقضاء الإجازة القصيرة في دولة "نيبال" التي تقع بين كل من الصين والهند، وقد كان لافتا بشكل كبير كيف أن الدين يعد ركيزة أساسية في كل مناحي حياة ذلك البلد الصغير، ففي كل مكان ستجد معبدا هندوسيا أو بوذيا، وفي كل شارع ستشتم فيه روائح البخور وتستمع لأصوات الأجراس وهمهمات المتعبدين، حتى أصبح دفن الموتى عندهم أقرب لاحتفالية حياة منها لبكائية فراق وموت.
استوقفتني هذه الدولة بكل مكوناتها، خاصة بساطة أهلها والبشاشة المرسومة دوما على وجوههم، ورغبتهم الواضحة في الحياة والتعلم والتطوير رغم محدودية إمكاناتهم، وذوبان هويتهم الدينية بين دولتين عملاقتين، وثقافتين غارقتين في التاريخ، هما الهند الهندوسية، والتبت البوذية.
يشكل الهندوس الأغلبية الساحقة من المواطنين، إذ تبلغ نسبتهم من إجمالي مواطني نيبال80? بينما يشكل البوذيون10?،
والمسلمون 4?، وبالرغم من هذا التسيد التام للهندوسية لأنها دين الأغلبية، فإن الدولة ـ وبعد تغير نظامها من الملكية إلى الجمهورية عام 2008 ـ قررت أن لكل إنسان حق اختيار الدين الذي يناسبه، وليس للدولة بالتالي دين كما هو معمول في عدد من الدول.
الخارطة الدينية هذه لها أهمية كبيرة لقراءة كيف يتم تطبيق نظام عقائدي في الدول التي تتنوع فيها المرجعيات، وتختلف فيها الطوائف. ففي نيبال يمكن لك أن تقرأ في الصحف المحلية أخبارا عن خلافات سياسية واحتدامات فكرية، ولكنك من غير المرجح وفق ما نقل لنا من مواطنين نيباليين أن تجد صراعات دينية بين الهندوس والبوذيين في أخبار الصحف، كأن تقرأ أن هناك تعطيلا لمصالح أبناء طائفة معينة لمجرد انتمائهم لتلك الطائفة. وهو الأمر الذي للأسف نجد له ممارسة واضحة في عدد من الدول العربية والإسلامية، التي تنفرد فيها رؤية الطائفة الواحدة، ويضعف فيها الوازع الوطني والولاء له.
كل ما يعرفه أغلبنا عن نبيال هو أنها دولة تورد لنا الأيدي العاملة الرخيصة، في وقت نجهل أنها من أكثر الدول تمتعا بالسلام الداخلي، فكل فقير ستواجهه في الشارع ستجده قنوعا وبشوشا، وكل غني تقابله في مطعم راق في كاتماندو العاصمة ستجده يدخل بلا كبر ويطلب بصوت خافت، فكل مواطن في نيبال "مواطن"، وقد نجحوا بالفعل في تحقيق شيء من عدالة الوطن عبر تطبيق حق المواطنة.