القصة مع مجرم مسجد جبل الشراشف هي قصة تعاطف مع كرامة إنسان ومشاعر طفل ولا علاقة لها أبداً بالمسجد والمصحف والحلقة. هي نفس مشاعرنا مع قصة يمكن أن تحدث في صالة منزل أو غرفة مدرسة أو رصيف شارع أو دار أيتام. أكتب هذا في وجه فئام الكراهية التي تحاول بائسة إيهام الرأي العام أن تعاطف الطيف المجتمعي الواسع مع هذا الطفل، إنما يستهدف تشويه "الحلقات" ومعلمي تحفيظ القرآن الكريم. أكتب لأقول لهذه القلوب الغليظة التي تدافع عن مجرم، باسم دين الرحمة، أن جذر كلمة "رحم" قد ورد في هذا المصحف الشريف أكثر من 400 تكرار بمشتقات لغوية مختلفة، وأن ديننا العظيم قد جعل كرامة الإنسان أغلى من الحلقات وفوق جدران المساجد، بل إن دم إنسان فرد واحد أهم عند الله من هدم الكعبة المشرفة.

هؤلاء الذين يتبارون في تبرئة مجرم قد لا يعرفون حجم إساءتهم لتعاليم هذا الدين العظيم ولا يدركون كم شوه هذا الوحش صورة الحلقات التي يدافعون عنها في عيون مئات الآلاف من الأطفال والشباب وهم يشاهدون هذا المقطع. هؤلاء يجهلون أن فوبيا الخوف من أي شيء تبدأ مع الطفل منذ أول تجربة وأول مشاهدة: فوبيا الطائرات والمرتفعات ومناظر الدماء أو حتى "فوبيا" المكان أو الزمن أو العنف. هؤلاء يكذبون على الآلاف الأبرياء من بقية معلمي حلقات التحفيظ بالدفاع عن مجرم لا يمكن تبرير جريمته وسلوكه الحيواني البشع. هؤلاء يتجاهلون، وبصراحة، أن مئات آلاف الأطفال سيربطون فوبيا الخوف بالمسجد والحلقة واللحية، وهذه هي فطرة النفس البشرية، كما خلقها الله - عز وجل -، الرحمن رب الرحمة. تخيلوا أحد هؤلاء وهو يقول بالحرف "والله وبالله وتالله، لقد نالنا لهيب السوط في هذه الحلقة فلم يزدنا ذاك إلا لذة وحباً للحلقة وللمعلم". ونحن نقول له: ليس ذنب الآلاف في هذه الحلقات أن دماغك لم يتعلم إلا بالعصا والركل. أقول له في المقابل إنني عرفت العشرات من الأذكياء النابهين أيام تعليمي العام الأولي الذين كرهوا القلم والكتاب والفصل والمدرسة تحت وطأة العصا والغلظة ثم تحولوا إلى مهمشين أميين. أقول لهم إن الداعية الذي يقرأ كل ساعة قوله تعالى "بسم الله الرحمن الرحيم" لا يدافع عن مجرم لا يعرف الرحمة. الداعية هو من يستلهم المعنى في قوله تعالى "ولو كنت فظاًّ غليظ القلب لانفضوا من حولك". الداعية الحق هو من يرى صورة النبي المكي ثم يتخيل: ماذا لو كان محمداً بالأمس في مسجد جبل الشراشف؟