سيطرت علينا القبيلة، وانغمسنا في التعصب للمنطقة، والمدينة.. والفريق الكروي، والعادات الاجتماعية! وبالغنا باصطناع الهيبة للمطوع والشرطي والمسؤول الحكومي.. حتى بات أكثر نقدنا همسا، يكاد لا يسمعه إلا قائله!
أردنا كسر الحاجز فلم نستطع، ما زلنا في إطار المتمسكن الذي يريد أن يرضي الجميع، وعليه أن يداري غضبه ورفضه لأجل ما هو أكبر، فلعل في الأمر خيرة، ناهيك عن أن كثيرين سيرفضون - دون أن يدققوا - ما أراد المتحدث، وعن ماذا بحث!
لكن الآن لا تلوموهم، فنحن لم نتعود على الركض في مساحات شاسعة من الحرية، كل يبدي رأيه ولا عليه من ردة الفعل أو ما ينتظره، هم الآن يعيشون ثورة "تويتر" والتواصل الاجتماعي بكل أشكاله، باتت الحرية مفرطة الاستخدام، حتى إن الخروج على الأعراف وما كان من "التابو الممنوع" متاحا.. وتكاد تجده كثيرا وبأسماء صريحة لا لبس فيها، هناك جرأة في التعاطي مع كل المواضيع، ومن لا يستطع فعل ذلك فهو منبوذ مرفوض من هذه الوسيلة، قد تكون جرأة مقبولة محمودة، أو متجاوزة مضرة، لكن هي حدثت بعد الهمس الطويل.
قد نحسب لهذه الجرأة التويترية أنها بشّرت بزمن المصارحة فيه أكبر، وتلاقح الأفكار أشمل، بل إن الصمت المطبق على الأفواه تجاه كل "تابو" بات من الماضي، الكل يدلي بدلوه، يشارك برأيه، وتستبشر بأن المجتمع تقبل هذا الأمر، وحتى من تحفظ عليه بات يتقبله مرغما، لأنه بات وسيلة التواصل الأكثر صراحة، بل إنه سمي بكاشف الوجوه ومعري المستترين، لأن الحريات فيه انطلقت لتتجاوز في أحايين كثيرة سقف الممنوعات والاعتبارات التي لا يمكن مسّها.
ومع الانفجار التويتري وتغير المناخ العام بسببه تمنينا أن يكون مهما لتفعيل دور الفرد تجاه المجتمع، وأن يؤسس لتلاقح فكري حقيقي، لكن للأسف فقد أسسس لقطيعة أكبر وتنافر أشد بين أطياف المجتمع، بل إنه غرس كثيرا من البذاءة والتعنيف في الألفاظ والحوارات.
قد يقول قائل إن مجتمعنا لم يتعود على هذا السقف المرتفع جدا من الحرية، واندفع تجاهها كالمحروم الذي من فرط اتساع خياشيمه لتلقي عبير حريته؛ كاد أن يكتمه ويقتله. نعم، أقول يقتله، لأن سقف الخطاب التويتري التف على كل شيء حتى بات في كثير منه مقززا يدعو إلى الفرقة والاختلاف، لينقلوه من كونه إلكترونيا ويحاولوا تطبيقه مجتمعيا وبصلافة شديدة في كل مناحي الحياة والتعاطي مع الأحداث والقرارات، إلا أنهم صدموا بأن لكل مقام مقالا، فقد تكون جريئا في "تويتر"، لكنك لن تفعل ذلك بين أفراد مجتمعك أو في صحيفتك أو برنامجك التلفزيوني، لكن لنعترف أنه كان وسيلة تغيير لم نشهد مثلها من قبل.
المهم في القول، رغم أن "تويتر" أصبح منبرا مهما للمجتمع السعودي ولا غنى عنه لكل الأطياف؛ إلا أنه صنع منّا أضدادا متنافرين نكره بعضنا البعض، بين متدين وليبرالي، حكومي ومستقل، ناهيك عن أهل كرة القدم وماذا فعل بهم من تشرذم وفتنة، فهلا نتعود على حرية "تويتر" ونعيد حساباتنا خلالها، لعلها ترسم لنا ثقافة جديدة تعيننا على الرقي، وبما يعلمنا كيفية إدارة خلافاتنا.. نتمنى ذلك.