تقدم كثير من الدول الصغيرة والفقيرة في مواردها والقاصرة في أدوارها السياسية والاقتصادية، تقدم نفسها إلى العالم بشكل يفوق مقدراتها وطاقاتها وموجوداتها.

وتجد لهذه الدول حضوراً إيجابياً في نفوس الآخرين، وكل ذلك -فقط- لأن هذه الدول الصغيرة الفقيرة قد أحسنت تقديم نفسها إلى "الآخر" من خلال إعلام يقظ ولا يتثاءب.

وبالمقابل فإن بلادنا دولة كبيرة في مساحتها وتنوع تضاريسها وغنية في مواردها الاقتصادية والثقافية، لكنها أحياناً لا تحسن تقديم نفسها كما هي عليه، بل هي أحياناً أخرى لا تحسن حتى الدفاع عن نفسها، بل وأزيد من ذلك فإنها ربما تسهم دون أن تشعر في تشويه سمعتها، من خلال بعض التصرفات السلوكية الفردية لبعض المواطنين في الداخل أو الخارج، أو من خلال بعض الاجتهادات، ربما العفوية، لكن يتم تأويلها وتوظيفها إعلامياً بما يشوه صورتنا.

ومن لوازم الإتقان وإجادة تقديم أنفسنا بصورة زاهية، أن نحاول قدر الإمكان أن نكون مبادرين في نقل الصورة الحقيقية لنا وعنا، وأن نتخلى عن لعب دور المدافع الذي ينتظر رأي الآخر ليتولى لاحقاً الرد وتفنيد ما يقال نشراً أو عرضاً أو إذاعة.

ومن حسن الحظ أن بلادنا تتوافر على كثير من التنوع الثقافي الفولكلوري والبيئي، بما يسمح لنا بلعب دور المهاجم الإيجابي، وبما يخلق حالة من التوازن بين الصورة السلبية التي يتم تناقلها، إما تغرضاً وإما عن جهل، وبين الصورة الإيجابية لموروثنا الثقافي في الآثار وأنماط اللباس وتنوع المائدة وخصوصية العادات والأعراف، بل والمذهب، ولا يمكن لهذه الرسالة أن تصل إلا من خلال إعلام محترف ويقظ، وكذلك من خلال نزع كثير من المخاوف والمحاذير التي نبالغ في تطويق حركتنا بها، ويتم ذلك بلا شك من خلال إيلاء الأمر لأهله من محترفي الإعلام الذين صاروا يمثلون الإعلام المحلي المساند للإعلام الرسمي.

ومعلوم -دائماً- أن الإعلام الرسمي في معظم الأقطار العربية محدود الحركة، وتزداد المسألة صعوبة لدينا بالنظر إلى الحساسية المفرطة لأفراد المجتمع "التأويلي" الذي لا يسمح لإعلامنا بالتحرك أو التغيير إلا في أضيق الحدود، وذلك بسبب المخاوف والتحوطات المغلفة بكميات مهولة من المحذورات الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وهذا حقيقة هو الذي يجعل العاملين في إعلامنا الداخلي لا يكادون يمدون سيقانهم خارج المربع المسيج بالعادات والأعراف، التي يتم تسويقها أحياناً على أنها منتج ديني وقد لا تكون من الدين في شيء، ومعلوم أن هذه الحساسيات الاجتماعية المحلية هي التي خلقت للمملكة إعلاماً رديفاً، من خلال بعض الصحف المهاجرة أو القنوات التلفزيونية التي تدار برأسمال سعودي.

وعلينا أن ننتظر دائماً أن ينزع إعلامنا الداخلي -ولو على نحو متدرج- هذه المحاذير.

ويستطيع وزير إعلامنا النابه الدكتور عبدالعزيز خوجه، أن يستعين في هذا العدد بكثير من الخبرات والطاقات الإعلامية الوطنية المبدعة والخلاقة، والتي تدرجت في سلالم الإعلام وخبرت دهاليزه ورسمت خلال مسيرتها خريطة الطريق إلى النجاح الإعلامي، ولهذا فإن تشكيل مجلس خبراء واستشاريين برئاسة وزير الإعلام قمين بأن يرفع من وتيرة العمل الإعلامي المحلي ويقوده تباعاً إلى نجاحات مستحقة ومنتظرة.

.. ولا زلت أتخيل أنه لو طلب مني وضع قائمة بالجديرين الخبيرين والناجحين في هذا المضمار والذين تشهد لهم تجاربهم العملية لأصابتني الحيرة في الخيرة، لكنني مع ذلك كنت سأضع في مقدمة هذه القائمة الأسماء التاليه تمثيلاً لا حصراً: عبدالرحمن الراشد، فهد العرابي الحارثي، محمد التونسي، جمال خاشقجي، جميل الذيابي..

والقائمة بلا شك تطول وتتسع لأكثر من هؤلاء، لكن مقتضى الأمر هو ضرب الأمثلة للتأكيد على ضرورة الاستفادة من هذه الطاقات المبدعة، وتحريك إعلامنا الداخلي بوتيرة أجود وأسرع ليكون منصة تنوير ومنارة إشعاع.