لمواجهة تنظيم "داعش" في العراق لجأت 13 عصابة من الفصائل الإرهابية السورية الأسبوع الماضي إلى إنشاء "مجلس شورى مجاهدي الشرقية"، الذي سخر منه تنظيم "داعش" وأطلق عليه اسم "مشمش"، اختصارا ورمزا للأحرف الأولى من تسميته.
فصائل "مشمش"، التي تتمركز في قطاع "دير الزور" على الحدود العراقية السورية، تشمل كلا من "الهيئة الشرعية المركزية" و"جبهة النصرة في المنطقة الشرقية" و"جيش الإسلام" و"أحرار الشام" و"جيش أهل السنة والجماعة" و"جبهة الأصالة والتنمية" و"لواء القعقاع" و"جبهة الجهاد والبناء" و"بيارق الشعيطات" و"لواء القادسية" و"جيش مؤتة الإسلامي" و"جيش الإخلاص" و"كتيبة المهاجرين والأنصار". قبل يومين أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن تنظيم "داعش" في العراق لا يشكل سوى 31 ألف إرهابي، إضافة إلى المرتزقة المنتمين إلى فصائل "مشمش"، التي يقل عددهم عن 10 آلاف إرهابي.
وأوضحت الوكالة الأميركية أن هذه التنظيمات تضم الجهاديين من المسلمين فقط، الذين يهددون أمن أميركا ومصالحها في جميع أنحاء العالم.
بسبب هذه الحفنة من الإرهابيين، التي اختطفت الإسلام زورا وبهتانا، أصبحت معظم شعوب العالم الإسلامي، التي تشكل 27% من سكان المعمورة، مرهونة بمظاهر التطرف والتكفير، وموصومة بأفعال الإرهاب والتخريب، مما أدى إلى تشويه سمعة دين المحبة والسلام، وفرض علينا ضرورة إقناع الدول بأن الإرهاب لا يخضع لدين محدد، ولا ينتمي إلى مقومات جنس بشري وحيد، أو يتبع عرقية شعبية محددة، من خلال الثبوتيات التالية:
أولا: في السابق كانت أميركا والدول المتقدمة تتهم المناهج التعليمية في الدول الإسلامية بأنها الأساس في تنمية الفكر الضال وانحراف الشباب نحو التطرف والإرهاب، إلى أن اكتشف العالم أن المنظمات الإرهابية مثل "داعش" تحتوي على أكثر من 12 ألف مقاتل أجنبي من 81 دولة حول العالم، منهم أكثر من 230 إرهابيا أميركيا متخرجون من المدارس والجامعات الأميركية العريقة، ونحو 1900 إرهابي أوروبي متخرجون من المدارس والجامعات الأوروبية المنتشرة في بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وبعض الدول الإسكندنافية، التي تختلف مناهجها التعليمية اختلافا جذريا عن مناهجنا في الدول الإسلامية.
ثانيا: وفي السابق كانت الدول المتقدمة، التي تتباهى بالديموقراطية، تكيل اللوم على أنظمتنا العربية لعدم تطبيقنا مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان، مما أدى القائمة إلى تفريخ الآلاف من منفذي العمليات الإرهابية، إلى أن اكتشفت هذه الدول المتقدمة أن الديموقراطية بمفهومها الغربي، التي ينادون بها وأرغمونا على اتباعها في العراق وليبيا والسودان واليمن وتونس ومصر، ليست سوى منهج مقيت من مناهج الفوضى الخلاقة، التي أكلت الأخضر واليابس، وولدت الاحتقان الطائفي، وأثرت التشتت الفكري والتعصب الاجتماعي. وكأن هذه الدول المتقدمة لم تقرأ التقرير السنوي الأخير لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، الذي أكد أن 94% من العمليات الإرهابية التي تمت في أميركا الديموقراطية خلال ربع القرن الماضي قامت بها جماعات غير إسلامية، بل تم أكثر من 7% من هذه العمليات على يد المتطرفين اليهود و24% على يد الجماعات اليسارية و42% على يد العصابات اللاتينية. كما أغفلت الدول المتقدمة نتائج الدراسة الموثقة لجامعة "نورث كارولينا" الأميركية الصادرة في العام الماضي، وأكدت أن عدد جرائم القتل في أميركا منذ أحداث سبتمبر 2001 ارتفع إلى 180 ألف جريمة، منها 33 جريمة فقط تمت على يد الجالية الأميركية المسلمة، بينما تقاسمت الجاليات المسيحية واليهودية في أميركا الجزء الأعظم من باقي الجرائم.
ثالثا: وفي السابق كانت دول العالم الأول توجه اتهاماتها لدول العالم الثالث، ومنها الدول الإسلامية والعربية، بأنها تقوم على تنمية العنصرية، واضطهاد الجماعات اليهودية، وتأليب العالم على الصهيونية، إلى أن اكتشفت شعوب العالم أجمع، بما فيها أميركا وأوروبا، أن إسرائيل هي الدولة العنصرية الوحيدة المتبقية على وجه الأرض، وأن احتلالها للأراضي العربية مازال الاستعمار الوحيد القائم في عصرنا الحديث، وأن تهديد الشعوب العربية لإسرائيل بردمها في البحر ومحوها من الوجود أصبح أضحوكة مبكية أمام الممارسات الإسرائيلية الأحادية ضد الشعوب العربية والحروب الدامية، التي تقتل الأطفال والنساء في الأراضي المحتلة.
رابعا: وفي السابق وجهت الدول الكبرى أنظارها المريبة ضد السعودية، وأصدرت أحكامها التعسفية تجاهنا، وقيدت بأنظمتها القاسية تأشيرات دخولنا أراضيها، وتلقي العلم في جامعاتها، إلى أن اكتشفت هذه الدول أن المملكة كانت ومازالت أكثر دول العالم نجاحا وكفاءة في اجتثاث شأفة الإرهاب، وأولها في طرح المبادرات، مثل مبادرة إنشاء مركز مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، ودعم مسيرته بمبلغ 100 مليون دولار أميركي، وتبنى رؤية شاملة في إطار الشرعية الدولية، تكفل القضاء على الإرهاب من خلال المصادقة على 16 اتفاقية دولية لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.
كما كانت المملكة من أفضل الدول المشاركة في مجموعة العشرين لتنفيذ توصيات مكافحة تمويل الإرهاب، مما أهَل المملكة للفوز بالمرتبة الأولى عربيا، وأحد المراكز العشرة الأولى بين دول المجموعة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بحسب التقرير الدولي لفريق العمل المالي.
ولكن رغما عن هذه الحقائق الدامغة التي تؤكد براءة الشعوب الإسلامية من تهمة الإرهاب، إلا أن الممارسات الإرهابية لتنظيمات "القاعدة" و"بوكو حرام" و"داعش" و"مشمش"، حققت بأقوالهم وأفعالهم ما صَعُبَ تحقيقه على أيدي أعداء الإسلام من إساءة لسمعة ديننا وتشويه لحقيقة شريعتنا، فوجب علينا محاربتهم واجتثاث شأفتهم؛ كي لا يختطفوا الإسلام زورا وبهتانا.