قد لا يكون التطور دائما إلى الأفضل، فحالة المريض مثلا تسوء عندما يتطور لديه المرض، هذا بالضبط ما حدث مع "الإرهاب" منذ كارثة 11 سبتمبر 2001، لقد تطور داء "الإرهاب" ليصبح استثمارا عالميا!

لم يكن التسعة عشر شابا يعبّرون عن أنفسهم حين قاموا باختطاف الطائرات الأميركية، وتصويبها كقنابل ضخمة إلى برجي مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأميركية وأماكن أخرى، إنهم كانوا يعبّرون عن "فكر تدميري" من خلال فعل محدد هدفه القتل والتدمير، وهذا الأمر يجعلنا نفكر اليوم بـ"تطور" الحالة الإرهابية من دائرة كنا نعدّها كبيرة، واكتشفنا أنها محدودة بعد حصول إرهاصات "الفوضى الخلاقة" في المنطقة، التي آخر وجوهها التنظيم الإرهابي الدولي "داعش".

ويستمد "الإرهاب" قوته من أمرين: الأول: الأرضية الخصبة، أو المادة الخام، وهي الفكر الديني المتطرف الذي يعتمد عليه الإرهاب، والأمر الآخر: هو الاستثمار الدولي للإرهاب، وبما أن الفكر الديني هو المادة الخام فإنه من الضروري نقده بعقلانية من أجل تنقية التراث من شوائبه المضرة من جهة، وإبراز النافع منها من جهة أخرى، وبالتالي نستطيع أن نبرز للعالم التراث الإسلامي الجميل، الذي ينتمي المسلمون المسالمون في العالم، لا سيما وأن أولئك المسلمين القدماء قد أسهموا في فترات معينة في تقدم الحضارة البشرية وارتقائها، ولكن يبدو أن مثل هذه الإضاءة لن تبرز في ظل الظلام الذي يعمّ الثقافة العربية والإسلامية اليوم إلا بتعزيز القيم الإنسانية العظمى، وفي مقدمتها الحرية والعدالة والمساواة على المستوى الفردي والجماعي.

وتعد مؤسسات المجتمع المدني أهم وسيلة حديثة للتعبير عن مدنية الثقافة وحضارة الأمة.

ولكن هذا وذاك علينا أن نستعيد دروس التاريخ من خلال ثمانينات القرن الماضي، الذي ذهب فيه كثير من أبناء المسلمين، ومنهم السعوديون خاصة، إلى بؤر القتال بقصد الجهاد، وكثير منهم كانوا تواقين فعلا لنيل إحدى الحسنيين، إما النصر أو الشهادة، ولكن ربما لم يخطر على أذهانهم أنهم منخرطون في صراعات سياسات دولية وإقليمية، وأن مخابرات العالم تستثمرهم لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية واستراتيجية!.

إذ إن الوطن أيضا تضرر من ذلك، وربما اتضحت الصورة بشكل جلي بعد عامين من كارثة سبتمبر، أي منذ أن شهدت الرياض التفجيرات الإرهابية في مايو 2003، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على أحداث سبتمبر وما تلاها، نجد أن المملكة مازالت تمر بين فترة وأخرى بفترات "إرهابية" ضاغطة.

اليوم، وفي ظل تنامي قضية "داعش" عالميا، ربما نسي العالم كارثة سبتمبر؛ لأن الاستراتيجيات الإرهابية تغيرت، وأصبحت منظمات الإرهاب مدعومة لوجستيا وممولة ماديا وبشريا في ظل الخلط الحاصل بين "الإرهاب" والإسلام. ويمكن القول إن "التطور" الحاصل حيال هذه القضية هو تطور للأسوأ، فحين نقول "الفكر الديني" فإنه ليس المقصود الدين، إنما هي الأفكار الأيديولوجية المعتمدة على الصبغة والمبررات الدينية، يكون ظاهرها أفعال وأقوال، وباطنها أقوال وأفعال أخرى لا تمت لأي قيم الإنسانية بصلة.

ونجد من نافلة القول، إنه إذا لم تتكاتف دول العالم لمحاربة هذا الداء من جهة، بالتضييق على أشكال التحركات والتمويل كافة من جهة، ودعم الفكر الحر المعتدل الذي لا يؤمن بالعنف من جهة أخرى، فإن الحال سيكون وبالا عالميا، في ظل "اللعب بالنار" الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط خاصة، التي تحولت فيها الحرية والإنسانية إلى قيم متطرفة ذات مفاهيم مشوهة، وهذه "الفوضى" ـ غير الخلاقة إطلاقا ـ سوف تسود لقرون طويلة بدلا من السلام المنشود، وبالتالي سوف ينتشر الشرر إلى كل مناطق العالم، وبالتالي لن نستغرب تحول مناطق معينة من العالم إلى أراض محروقة، كما حصل في أفغانستان، وهي الأنموذج الأوضح للصراعات السياسية والأيديولوجيات منذ سبعينات القرن الماضي!