أدام الله بقاء النفط، وزاد من تدفقه بالقدر الذي يحفظ سعره معقولا بين العرض والطلب في الأسواق العالمية.
حين أسمع قصصا حول حياة ما قبل النفط أشعر بحالة هجينة الشعور بين الألم والرعب، الألم لحال أهلنا وشقائهم الأسطوري إن بحرا أو برا أو سهلا أو جبلا، والرعب من أن يلاقي أبناؤنا وأحفادنا مصير أسلافهم، بعد أن يجد العالم بديلا لوقودنا الأحفوري الرخيص والسهل، إما بآخر عضوي أو صخري أو شمسي أو قمري، وللنفط حق ودين في رقبة كل أبناء جيلي نحن الذين ولدنا في مرحلة "حوار الربيع" حين كان "النفط" "واهب الدر والمحار صدقا"، في عصره الأسطوري خلال السبعينيات الميلادية فتمتعنا من "هباته الكثار"، والنفط وسام فخر حضاري واجتماعي في المجتمعات الخليجية ويجب معاملته هكذا، تماما كما ينظر المصريون لنهر النيل واليابانيون للترانسستور، والهنود للذهب صانعا للحياة مانحا للنماء والازدهار لا مصدر عار كما أشاعت التوصيفات اليسارية التي شوهت علاقتنا به وسيجته بحالة نكران غريبة، "البترودولار"، "الإمبريالية"، وشتائم أخرى، تراجعت وذوت، لا لتفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الشيوعية، بل لأن الدول العربية جميعها تقريبا أصبحت مصدرة للنفط بمستويات متباينة. في حين ـ وللمفارقة ـ أن أكبر مصدر للنفط في العالم هو روسيا، النفط عصا موسى السحرية التي حولت الصحارى إلى واحات عصرية تدب بالحياة والفرص، خاتم سليمان الذي شق الجبال وعبد الطرق، مصباح علاءالدين الذي طار بنا في عوالم خيالية بانيا الإنسان والمؤسسات والحجر والشجر، بساط الريح الحياتي وألف ليلة وليلة التنموية التي ربطتنا بالدنيا وربطت الدنيا بنا بعد قرون ضوئية من العزلة الصحراوية والإنسانية والحضارية الهائلة، النفط أهم مكتسباتنا وميزتنا وذخيرتنا للمستقبل ووديعة العالم الاقتصادية التي ائتمننا عليها فحق لنا الفخر بها وبكل منجزاتها وإنجازاتنا بها.
إن الخجل الذي طوق المثقف الخليجي يجب أن يتحول، أنجزنا بالنفط الكثير وسننجز الأكثر حكومات ومجتمعات وأفرادا، لا أتذكر حالة فصام كالتي عاشها المثقف الخليجي وهو يخجل من علاقته بهذه الثروة الوطنية, أفهم أن هذا الموقف كان شرطا للقبول في النوافذ الثقافية العربية التي سيطر عليها مزاج ثوري قومي في السبعينيات والثمانينيات، لكن هذا كان "زمانا وجبر" تحولت النوافذ والمنابر الخليجية الثقافية والإعلامية إلى صانعة نجوم بشروطها المختلفة كليا، لكن في الغالب بقيت حالة النكران للنفط قائمة، أنجزت الأفكار والعقليات الوطنية في الخليج ما لم تنجزه مجتمعات وشعوب أخرى، البشر هم الذين طوعوا النفط وصاغوه بالصيغ التنموية التي نشاهدها اليوم، النفط لم يعد تهمة ولا عار، النفط هبة إلهية ككل الهبات نشكر ونحمد رب العالمين على أن أفاء بها علينا.