(تهدف حكومات العالم الأول إلى إخراج دولها من أزمتها الاقتصادية الراهنة ولذا تبذل جهوداً كبيرة في هذا الاتجاه). تنطوي هذه العبارة على خطأ جوهري. والصواب هو:(تهدف حكومات العالم الأول إلى رفع مستوى المعيشة وتعزيز الرفاه لشعوبها ولذا تبذل جهوداً كبيرة لإخراج دولها من أزماتها الاقتصادية الراهنة).

الفرق بين هاتين الجملتين في غاية الوضوح والأهمية لأنه عبارة عن الفرق بين الوسيلة والهدف. الخروج من الأزمة الاقتصادية ما هو إلا وسيلة لتحقيق الهدف النهائي للجهود الحكومية، المتمثل في رفع معايير المعيشة لكل المواطنين، وشواهد ذلك عديدة. ففي الولايات المتحدة تولي الحكومة أهمية كبيرة للأزمة الاقتصادية الحالية لأن نسبة البطالة بدأت تلامس العشرة بالمائة، وهو رقم كبير مقارنة بالمعدلات التاريخية. ولذا أطلقت الحكومة مشاريع عملاقة للتحفيز الاقتصادي ووجهتها نحو زيادة معدل التوظيف وتعزيز الرعاية الصحية والتدريب وتشجيع تملك المساكن. وفي المقابل لم تضع الحكومات اليابانية المتعاقبة الإنعاش الاقتصادي في سلم أولوياتها رغم أن اليابان تعيش أزمة اقتصادية خانقة منذ عشرين سنة، والسبب هو عدم مساس هذه الأزمة بمستوى المعيشة لليابانيين، لاستمرار حالة التوظيف شبه الكامل لطالبي العمل. وغني عن البيان أن مجرد حصول الشخص على وظيفة في دول العالم الأول يعني تمتعه تلقائياً بمستوى معيشي لائق بسبب تحديد حد أدنى للأجور يكفي للوفاء بكل الضروريات والكثير من الكماليات. رغم وضوح هذا التقسيم بين الوسيلة والهدف في سياق العملية الاقتصادية إلا أنني أخشى أننا في المملكة نخلط بينهما فنتعامل مع الوسيلة على أنها هي الهدف ونساير المخاوف الدولية من الأزمة الاقتصادية رغم أن العلاقة بينها وبين مستوى المعيشة للمواطن السعودي لم تكن محسومة، ونجاري الآخرين في العزف على وتر مشاريع التحفيز الاقتصادي حتى لو كانت هذه المشاريع لا تُخفض من معدل البطالة للسعوديين ولا ترفع نسبة تملكهم للمساكن، بل إنها ساهمت في زيادة تكاليف البناء مما فاقم من أزمة السكن، وربما تسبب في استقدام عدد كبير من العاملين غير السعوديين لإنجاز تلك المشاريع في الضغط على المرافق والخدمات وبالتالي تخفيض معايير الرفاه للمواطنين.

في ضوء ذلك فإن الصيغة المثالية المحلية للعبارة التي في بداية المقال هي: (تهدف حكومة المملكة إلى رفع مستوى المعيشة وتعزيز الرفاه للمواطنين ولذا تبذل جهوداً كبيرة في سبيل تخفيض معدل البطالة ورفع الحد الأدنى للأجور وزيادة نسبة تملك المساكن للمواطنين). وكما يلاحظ القارئ فقد اختفت منها عبارة (الأزمة الاقتصادية الراهنة) غير مأسوف عليها!.