لا يمكن لفنان أو مبدع "في أي مجال" مرهف الحس، أن يتحول يوما ما، إلى قاطع رؤوس ومدمن للدماء، لأن الحس الفني الحقيقي يربي النفس على السمو والقيم الإنسانية الرفيعة، التي يأتي على هرمها الإيمان بحق الآخرين في الحياة، واليقين بأن الحوار وتبادل الأفكار والمعارف هي الطرق الأصح لفهم الآخر والتفاعل معه والتأثير فيه. ولأننا في كل مرحلة يظهر فيها بيننا من لا يؤمن إلا بالعنف والتشدد وإرهاب جميع الناس الذين لا يتفقون معه حتى في تفاصيل فكرية دقيقة، بل ويحكم عليهم فورا بـ"الردة" وبالتالي القتل المجاني، حتى وإن كانوا أقرب الناس له رحما ودما. أقول في كل مرحلة يظهر فيها مثل هؤلاء، نتجه إلى نقد المناهج وطرق التعليم الديني على الأرجح، وننسى نقطة أخرى وهي الإجابة عن سؤال: وماذا عن المناهج الأخرى "غير الدينية" التي اعتمدناها ضمن الخطط الدراسية منذ عشرات السنين؟ لنأخذ مثلا منهج "التربية الفنية"، فعندما تسمع اسمها "الرنان" يخيل إليك أن الطالب لن يتخرج في مدرسته، إلا وقد تعرف على عدة فنون ومهارات إبداعية مثل الرسم والنحت والمسرح والتصوير الضوئي، وعرف بعض المقامات الموسيقية الصوتية. وهذا أقل أهداف ونتائج أي "تربية فنية" سليمة، تؤهل الطالب للتذوق الفني والإحساس بجمال الحياة، واكتشاف أسرارها. لكن الواقع المؤسف الذي يعرفه معدو منهج "التربية الفنية" في وزارة التربية والتعليم جيدا، هو أن هذه المادة تعد هامشية جدا، وقد توكل لـ"أكسل" معلمي المدرسة، الذي إن غاب عن حصته فلا "عدوان عليه"، ولا حساب له. والأسوأ أن هذا المعلم قد لا يعرف من "الفنية" إلا اسمها، ففي الغالب أن المتخصصين نادرون جدا في مدارسنا، ولذلك قد تكون ضمن حصص معلم الرياضيات أو الاجتماعيات وقد يدرسها معلم التربية الإسلامية. وهذا قد تعرفه عندما تسأل ابنك: لماذا لم ترسم جسم الشخص بشكل صحيح وكامل، حيث ستأتيك الإجابة عاجلة بأن "المعلم قال لنا، اقطعوا الرأس بخط أحمر يفصل الجسم عن الرأس، والأفضل ألا ترسموا إلا شجرة أو بيتا أو نهرا".
فيا وزارة التربية والتعليم.. أليس من الأجدى إعادة النظر في محتوى هذه المادة المهمة جدا، والتي لا شك أنها لو درست بالشكل الصحيح، سيكون لها أثر سلوكي كبير على الطالب مستقبلا. فبدلا من جعلها ميتة كهذا، لماذا لا توزع حصصها بشكل حديث، بحيث تكون حصة للرسم وأخرى للتصوير وثالثة للنحت ورابعة للمسرح وخامسة للموسيقى والصوتيات. فلو تعرف الطالب على هذه الفنون، لما أحب يوما قطع الرؤوس، حتى ولو كان الأمر باللون الأحمر على كراسته فقط. والأهم من هذا أن يكون مدرسوها محبين للفن والوطن بصدق.