وصفوا سلوكه كـ"النعامة" التي تدفن رأسها خوفاً، وحزنوا على أنه مجرد مطبعة لأوامر طهران، وأنه يعلق فشله على دول أخرى، هذا هو نوري المالكي، سياسيون تحدثوا لـ"الوطن" ، بعد أن وزعت الحكومة العراقية أمس، التهم يميناً ويساراً، في محاولة لتغطية الفشل، والطائفية، التي تنتهجها بغداد.

الخبير الاستراتيجي والسياسي الدكتور علي التواتي، قرأ البيان العراقي على أنه ضعف حيلة من حكومة المالكي، التي تتخبط باتهام دول عدة، بأنها سبب في زعزعة الأمن، تارة تتهم السعودية، وأخرى تقذف باتهاماتها على دول خليجية أخرى، وأخيراً ما حملته تركيا من اتهامات، دافعها التخبط.

من جهة أخرى كان أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور وحيد هاشم، قد رأى أن البيان العراقي "الركيك"، غير مستغرب من حكومة المالكي، التي دأبت على أن تجعل دول الجوار "شماعة" لفشلها المتغلغل، وسوء إدارتها الناتج عن عدم سيادتها، وإرخاء أذنها لأوامر طهران.

وبالعودة للتواتي الذي قال "أصبحنا عندما نتحدث عن الحكومة العراقية، كأننا نقول الحكومة الإيرانية، وهذا يسمى في علم النفس إسقاطاً، فكل العالم يعلم أن إيران دولة مساندة للإرهاب، وهؤلاء مجرد أتباع لها. طهران هي أكبر دولة تنفق على الإرهاب، وعلى الحرس الثوري، ولواء بدر التابع لعمار الحكيم، وعلى كتائب أبو الفضل، التي تقتل السوريين في بلادهم، وحزب الله الفوضوي، والحوثيين، وعلى القاعدة أيضاً، فإنها وأتباعها آخر من يتحدث عن تمويل الإرهاب".

وعندما فضل الدكتور وحيد هاشم، أن يبتعد عن القراءات السياسية وأن يتحدث بالمنطق قال "كيف للمالكي أن يتهم دول الجوار بذلك، وهي من أولى الدول التي تحارب الإرهاب وتدحر كيد منظماته، لاسيما "داعش" الذي يتصدر القائمة في حرب المملكة على الإرهاب، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية تبحث دائماً عن "شماعة" تعلق عليها فشلها السياسي داخليا وخارجيا، إلا أنها أخطأت في اختيارها المملكة، وهذه ليست المرة الأولى.

وبالعودة للتواتي، فقد ذهب إلى ما أشار إليه الدكتور هاشم، إذ أكد أن السعودية تضع "داعش" على قائمة المنظمات الإرهابية التي تحاربها، وتحارب من يمولها، ومن يساندها، وحتى من يؤيدها ويتعاطف معها، فكيف لها أن تمول "داعش" أو غيره من المنظمات الإرهابية، "هذا غير معقول".

واتفق السياسيون في حديثهم للصحيفة، على أن ما يجري في العراق هو "ثورة شعب" عاش ظلم حكومة المالكي لسنوات طوال.

ومن هذه الزاوية، يرى الدكتور وحيد أن ما يجري على الأراضي العراقية، ما هو إلا ثورة نتجت عن ظلم المالكي وتهميشه وحرمانه المواطنين من حقوقهم، لافتاً إلى أن السخط والاستياء دائماً ما يولدان العنف الذي تشهده العراق في هذه الأيام.

واتفق التواتي مع هاشم في تفسير ما تشهده العراق من أحداث، فاعتبر أن الذي يجري في العراق هو "ثورة"، واستدرك في هذا الصدد "الثورات لا تحتاج إلى تمويل من أي طرف خارجي، لن يخرج العراقيون لمقاتلة حكومة المالكي لأنهم تلقوا دعماً من طرف ما، كل هذا عبارة عن تخبط تعيشه الحكومة العراقية، هو عادة ما يدفن رأسه في التراب كـ"النعام"، حتى لا يضع عينه بعين أحد، ولا يعترف أنه "طائفي فقير"، يتلقى أوامره من حكومة طهران".

وأكد هاشم أنه من الطبيعي أن يحاول المالكي إيجاد شماعة يعلق عليها فشلة في إدارة شؤون العراق، فيما يتعلق بسياستها الداخلية، القائمة على تهميش "السنة"، والعشائر، وظلمه لهذه الفئات، وسوء إدارته فيما يتعلق بالطوائف العراقية، التي دخل معها في صراعات عدة، بالإضافة إلى الفشل الذريع في السياسات الخارجية للعراق، ورفضه التقارب مع الدول العربية، واعتماده على إيران وتبعيته المطلقة لها، معتبراً هذه الأمور سبباً للعنف الحالي، وشبه الحرب الأهلية القائمة في العراق.

وفي هذه الأثناء، يرى الخبير الاستراتيجي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء الدكتور قيس محمد النوري، أن هجوم حكومة المالكي الأخير على المملكة، يمثل في حقيقته الموقف الإيراني تجاهها، مؤكداً أن تاريخ المملكة الطويل، يشهد بحنكة مواقفها السياسية وتبنيها لسياسات معتدلة مع مختلف القضايا، ومن هذا المنطلق "يتعرى" المالكي، الذي دلل بأن بيان حكومته أمس، يعني "استهدافاً" للمملكة، من أجل مزيد من عزل العراق عن محيطه العربي، وأطرافه المؤثرة. وأردف النوري بالقول خلال حديث له مع "الوطن": "المالكي ببساطة لديه دور واضح يقوم به منذ البداية وهو الحديث نيابة عن الإيرانيين في العراق. للأسف صار الآن يطلق الاتهامات في كل اتجاه، ولم يحاول قراءة حقيقة الموقف السعودي لوقف النزيف العراقي، عبر حكومة وطنية، علها تصلح ما أفسده في سنوات حكمه للعراق. الرجل لم يعد مرغوباً فيه داخل العراق من قبل الأغلبية من الشعب العراقي، وهذا أمر واضح".

أما عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى الدكتور زهير الحارثي، فيجد أن بيان الحكومة العراقية "مثير للسخرية" أكثر من أي شيء آخر. وقال لـ"الوطن": "لم نر في بيان حكومة المالكي سوى مزيد من الاتهامات المجانية التي لا تستند على أي أدلة ملموسة، هي تأتي من جماعة احتكرت السلطة في العراق، ولا تحظى بالإجماع لدى الشعب العراقي بمختلف مكوناته، يمكن القول إنها منبوذة من الشعب العراقي، أما اتهام المملكة بدعم الإرهاب فيبدو اتهاما تنقصه الحنكة، لأن المملكة هي أكثر من حارب الإرهاب، وهي مستهدفة بسبب ذلك، ولديها قوانين تجرم الجماعات الإرهابية. كل ما نرجوه أن نرى عراقاً مستقراً، وبحكومة عراقية تبسط الاستقرار وتحترم الجيران كما يجب".