دعوني أخبركم بمعلومة لا أخجل التصريح بها: "لا أستطيع أن أرسم شمسا ساطعة أو وردة صغيرة، فضلاً عن رسم أي شيء آخر"! بالطبع قد يكون عدم اهتمامي بالرسم عائدا لانغماسي في أشياء أخرى منذ زمنٍ طويل، وكون الرسم لم يشكل أي أهمية بالنسبة لي؛ حتى رزقت بأول أطفالي، هنا وبعد محاولات عديدة فاشلة من رسم الحيوانات والأشكال البسيطة أدركت أنني بعيد تماما عن ذلكم الإبداع البشري الذي يطلقون عليه "الرسم"، لكنني لم أستسلم وبدأت أفكر هل يمكن للإنسان أن يتعلم مهارات أي فنٍ إبداعي لا يتقنه أبدا؟ أن يكتسبها هكذا دون موهبة؟ هل يمكن أن يقنع عقله بأنه فنان وقادر على مقارعة هؤلاء المبدعين؟ انطلقت بالبحث العميق، ولم أتوقف إلا بعد أن جمعت أفكارا محددة، يمكن تلخصيها في خطوات ثمان تساعد على إطلاق الفنان الذي بداخلك، شرط أن تتوفر لديك الرغبة والاهتمام، والقدرة على تطوير مهاراتك الفنية بشكل منهجي ومتدرج.

الخطوة الأولى: "حدد ماذا تريد" إحدى أهم المشاكل التي يعاني منها كثير من المبدعين هو تشتتهم بين مجالات عديدة يبدعون فيها، فتجده رساما تارة وعازفا تارة أخرى، وهلم جرا، لذا لا بد أن تقسو قليلاً على نفسك، وأن تحدد بعد فترة من الزمن والممارسة إلى أي المجالات الفنية ترتاح نفسك، وأيها تجد إبداعك فيها ينطلق، مع العلم أنه لا بأس من تعدد الهوايات والمشارب شرط ألا تؤثر على مجالك الفني الرئيس.

الخطوة الثانية: "اكتشف ولكن دون عمق!" ذلك أن التبحّر الشديد في أي فن أو مهارة سوف يقود في النهاية إلى مرض "البحث عن الكمال"، وبالتالي فإنك لن تستطيع تطوير مهاراتك الشخصية لأنك لن تكون راضيا أبدا عن منتجك النهائي!

الخطوة الثالثة: "اقترب منهم" وهم المهتمون بهذا المجال من الفنون، ولعل الميزة الأساسية في وقتنا الحاضر أن تجمعات المهتمين بكل فن أضحى الوصول إليها سهلاً وبسيطا مع تطور تقنيات الاتصال، وبالذات قنوات الاتصال الاجتماعي، وبالتالي عندما تكون قريبا منهم فأنت حتما سوف تكتسب مهارة من هذا وفكرة من ذلك، بالإضافة إلى أن تكرار الاحتكاك يوّلد مزيدا من الإنتاج المتقن، فضلاً عن التحفيز لمزيدٍ من الإبداع والابتكار.

الخطوة الرابعة: "حدد وقتاً للتعلم والتدريب"، فالتفكير في بناء المهارات الفنية يبقى مجرد أفكارٍ ما لم تبدأ بتعلم أساسيات كل فن، ثم العمل على صقل مهاراتك بالتدريب المتواصل، لذا من الضروري في البدايات أن تحدد موعداً ثابتاً تتعلم فيه المزيد، وتعمل على شحذ منشارك الفني، حتى تتجاوز حاجز العشرة ألف ساعة من التدريب والممارسة، وهو المعدل الذي يكسبك حدا أدنى من المهارة الفنية اللازمة في أي مجال.

الخطوة الخامسة: "اخرج من قوقعتك" لا بد وأن تتخذ قرارك يوماً ما بأن تخرج فجأة عما تقوم به الآن، سواء على مستوى عملك الرسمي أو هوايتك الخاصة، فنصف دماغك الأيمن بحاجة إلى فراغ جديد، يحفّزه للعمل والإبداع بشكل مختلف، اذهب إلى الحدائق، إلى "البرّ"، وحتى التخييم لأيام معدودة قد يساعدك على إطلاق روحك الابتكارية من كمونها، لأن الطبيعة بذاتها وبساطتها تستفز الروح والأفكار لشيء جديد، كما تفيد بذلك الدراسات النفسية الحديثة التي تقول إن المناظر الطبيعية تزيد المشاعر الإيجابية والإبداعية، كونها قادرة على تخفيف الضغط النفسي، وبالتالي إفساح المجال للإبداع الفردي.

الخطوة السادسة: "لا تخجل من هوسك"، ذلك أن غالبية الناس لديهم اهتمامات قد تكون غريبة من وجهة نظر آخرين، لكن هذا الهوس قد يكون هو مفتاح الإبداع، وتقديم الشيء المختلف عما يتوقعه الآخرون، وهو ما تؤكده الدراسات النفسية، التي تشير إلى أن المهوس بشيء غريب قد يكون لديه مجال أرحب لإبداع شيء مختلف عن السائد في مجتمعه، كما تقول تلك الدراسة النفسية الرائدة من جامعة "فاندربيلت" التي أجريت على بعض المصابين بالفصام وذوي السلوك المهووس بشيء محدد، حينما طلب منهم التفكير والحلم باستخدامات جديدة للأجهزة المنزلية الشائعة، فوجد أنهم خرجوا بأفكار أكثر إبداعية مقارنة بالأفراد الأسوياء.

الخطوة السابعة: "غادر موطنك" لا شك أن مغادرة المكان الذي تعيش فيه إلى مكان آخر، والبقاء فيه لفترة طويلة يزيد من مستوى الإبداع والابتكار، ذلك أنك تتخلص من قيود العلاقات الاجتماعية، فضلاً عن تعرفك على أفراد وأماكن مختلفة، وبالتالي التعرّض لثقافات وأفكار جديدة، بل إن إحدى الدراسات تشير إلى أن مجرد تذكر شيء تعلمه الإنسان عن ثقافة مختلفة تزيد من قدرته على حل المشاكل بشكل خلاق؛ فما بالك إذا عاش المبدع فترة من الزمن بعيدا عن موطنه!

الخطوة الثامنة: "تسلى" وهذه هي الخطوة الأهم، حاول ألا تقلق عن جودة ما تنتجه من فن وإبداع، لأنك متى ما وقعت في قلق تقييم الآخرين لما تنتجه، فإن هذا الأمر "سوف يمنعك من اكتشاف" المثير، كما يقول "توماس أرينا" وهو فنان أميركي متخصص في الفنون الإبداعية، الذي يستذكر موقفا طريفا وقع له في بدايات عمله الوظيفي حينما التحق بالعمل لدى أسطورة الدعاية الأميركية "ديان روتشليد"، حيث قالت له في أول يوم عمل: "سوف أقول كثيرا من الأشياء الغبية، وسوف أقدر لك إذا فعلت معي الشيء نفسه"!.

بالطبع ما سبق هي خطوات عامة وليست محددة لفن معين، لكن حجر زواية نجاح هذه الخطوات يعتمد على مدى إيمانك بأنك أنت قادر على تعلّم الجديد، وعلى اكتساب مهارات جديدة، بيد أنه من الضروري أن تتذكر دوما أنك أنت من يصنع الفنان بداخلك، وأنك أنت من يطلقه نحو آفاق أوسع وأرحب.. فهيا معا إلى الخطوة الأولى..