أي شخص متعقل سيرى أن الهيئة هي قطاع حكومي. موظفوه ليسوا ملائكة ولا أباليس، لكن طبيعة عملهم المتعلقة بحياة الناس والمجتمع هي التي تظهرهم للناس دائما، مما يجعلهم عرضة للحكم بحسب تقدير أفراد المجتمع المنطلق من عرفهم وتعليمهم وثقافتهم، كلّ على حدة. فمن حق المجتمع مناقشة قضاياه، وهم أحد أهم قضاياه، والهيئة مجبرة على تقبل ذلك.
شاهدت الفيلم الأول الذي صور تلك الحادثة بين أفراد الهيئة والرجل البريطاني وزوجته، ولم يتضح لي سوى زوجة تدافع عن زوجها الوحيد، في مواجهة أفراد يمارسون القفز والركل.
ثم شاهدت المقطع الثاني، ورأيت رجلا وافدا يدفع لامرأة مغطاة بالكامل، ثم تدخل رجال ينهونه. أحدهم ولا شك وضح للجميع أنه سريع الغضب. منفعل. يضع إصبعه على فمه "أصصص"، بينما الآخر يحجز البريطاني، الذي بدا أنه لم يفهم ما يحدث.
ثم شاهدت لقاء الزوجة السعودية، وأحزنتني العَبرة الأخيرة في صوتها وهي تحكي القصة. لقد كان موقفا لا تحسد عليه، إذ وجدت نفسها بين زوج ووطن، ثم شاهدت اللقاء مع رجل الهيئة في قناة المجد، التي استعانت بالأستاذ الباحث عبدالله الداود ربما لسعة خبرته ومعلوماته حول ملف الكاشيرات.
لا أظن أن هناك تأملا فيما قاله الداود سوى الرغبة الأكيدة في أن تتم مناقشة حالة الرجل العقلية بجد.
وأنا أشاهد الحلقة وجدت أننا لا بد أن نتفحص مواقف بعض رجال الهيئة، ولم كانت ردة فعلهم هكذا بسؤالهم شخصيا: هل بادروا بهذا التصرف لأنهم يظنون أن فعله مخالف للإسلام، أم لأن الرجل خالف تنظيما وضعيا وعرفا اجتماعيا؟
كلنا نعلم أن واجب الهيئة هو نفس واجب شرطة الآداب في العالم، ففي بريطانيا وغيرها لو قام رجل بخلع ملابسه أو ممارسة فعل ما في حديقة ستقبض عليه أجهزة الأمن، وفي السعودية تتسع الدائرة لتشمل كل ما يخالف الإسلام وباتفاق الجميع.
لذا السؤال هنا: هل شراء رجل من امرأة محرم شرعا؟ إذن هي النتيجة نفسها عندما تشتري امرأة من رجل! وفي الواقع قضينا عمرنا كله نشتري ملابسنا الخاصة من شباب غالبيتهم من الشام ولبنان، وأنتم تعرفون كم هم مرتبون وأنيقون، ولقد قامت قيامة أمثال عبدالله الداود عندما كرمتنا حكومتنا ومنحتنا حق الشراء من نساء لا نستحي منهن عند مناقشة تفاصيل الشراء.. فماذا حدث؟!
إذا كان ليس حراما ـ وهو الواقع ـ وهو مجرد قانون تنظيمي وضعي، فما شأن بعض أفراد الهيئة أؤلئك في التدخل؟! أليست هذه مهمة رجال الأمن الموكلين بحفظ النظام في السوق؟!
الجواب هو ما شاهدناه في المقطع، من خلال عبارة "أصصص" التي شعرنا بها ورجل الهيئة يخرجها من شفتيه وعيناه تشع غضبا.
لاحظت في المقاطع أن أحد أعضاء الهيئة أؤلئك يستحق المتابعة، وهو رئيس الفرقة، وهو يحتاج فعلا لإحالته إلى الطب النفسي للكشف على قدرته على ضبط أعصابه، وهذا هو الوضع الذي كان سيختاره البريطانيون لو كان حدث الموقف في بريطانيا.
في الحقيقة، كنت أتمنى عدم التسرع في الحكم لأسباب عدة، فعدد من أفراد الفرقة ـ على حد علمي ـ لم يبدر منهم شيء، فما شاهدناه هو رئيس الفرقة ورجل من عامة الناس، ورئيس الفرقة يتحمل كامل المسؤولية.
أتمنى أن يستمر تطوير الهيئة، وشخصيا أتمنى رقمها في جوال كل فتاة في بلادنا، لمواقف هذا الجهاز المشرفة، التي أسهمت في رأب صدع انشغال الأسر، وقلة تجربة الفتيات في بلادنا، لكن هذا الخلل في "بعض" منسوبيها هو ما يدفع الناس لهذا الغضب.