من المصطلحات المتداولة ذات الحمولات غير المستساغة، أو على أقل تقدير تلك التي يقاومها المجتمع في المشهد الثقافي، مصطلح النخبة أو النخب أو النخبوية، حيث تمارس عليه في اشتقاقاته المتعددة باختلاف مدلولاتها عمليات ازدراء يمكن وصفها بأنها صاعدة من الأسفل إلى الأعلى، باعتبار مفهوم النخبة الذي يمثل الأقلية المنتقاة أو الشريحة المتفوقة في مجالها والتي تمكنت من السيطرة وقيادة التأثير، على الرغم من موجات الإعراض أو التهميش غير المبرر إلا بداعي عمق الفجوة بين النخب والعامة. لقد عرف هذا المصطلح في عصور نهضوية سابقة بحكم سيادة طبقة أو فئة عليا على الأصعدة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية وكان لها آنذاك، ممارسات سلطوية على عامة الناس، ما جعلهم ينفرون من نفوذ الأقليات المتصرفة ويوجهون لها سهام النقد، بل ويثورون عليها في أحايين كثيرة كما عرفنا مما حمله لنا التاريخ من روايات الشعوب المنافحة عن مصيرها وحياتها. غير أنه من -وجهة نظر أخرى- يمكن الإقرار بأن النخبوية ليست شرا محضا بل على العكس من ذلك فهي في أدبياتها الرصينة مناط فخر واعتزاز، إذ تمثل الصفوة المنتخبة المختارة في شتى مناحي الحياة، خاصة إذا صلحت التوجهات وحددت الأهداف، وكيف لمجتمع أن يصيب مراميه دون تلكم العقول المستشرفة والقادرة على التسامي عن اليومي المتاح إلى ما هو أبعد فيما يتعلق بالمصالح المشتركة والقوى الدافعة المحفزة والنتائج المبهرة؟ إن وجود نخبة اقتصادية صالحة يعني الرعاية الكاملة لقوت الناس ومعاشهم والارتقاء بهم إلى مبتغاهم من الحياة الآمنة الكريمة، كما أن وجود نخبة مختارة متفوقة في الشأن الثقافي يعني رسم معالم الطريق وأخذ الناس عبره إلى مدارات الوعي والتحضر والتنمية الوطنية، ناهيك عن أنها تشرع لهم الآفاق نحو الإبداع والاختلاف على مستوى التعبير عن ذواتهم بالكلمة والصورة والمشهد واللوحة، وقس على ذلك في النخب كلها التي من شأنها قيادة المجتمع وتبصيره والعمل على الحيلولة بينه وبين المنزلقات السلوكية والفكرية الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن دور النخب اليوم في توجيه الشباب إلى ما ينفعهم ويرقي مقدرات وطنهم خاصة ونحن نرى رأي العين تلكم المهالك الفكرية التي أضحت محاضن مقيتة لشبابنا تصطادهم فرادى وجماعات ليعودوا بعد حين مغسولي الأدمغة معدومي القدرة على التفكير فيناهضوا أهليهم ويعادوهم ويلحقوا بهم وبأنفسهم الموت والخراب. إن ضابط إيجابية النخب يكمن في قدرتها على تجسير الفجوة بينها وبين الناس وعدم الانكفاء والعيش في تهويمات الذات مما لا يعني العامة في شيء.