نشر "مركز كارنيجي للسلام الدولي" مقالاً للباحث كريم سيجابور في 9 يونيو الجاري، تناول فيه تدخل إيران السافر لاستمرار ضرب نظام بشار الأسد العشوائي لمعارضيه الذي أدى إلى قتل الآلاف وتشريد الملاين من السوريين. فيما يلي سرد لما تضمنه مقال سيجابور البحثي:

قليلة هي البلدان التي قد تخسر جراء انهيار نظام بشار الأسد في سورية أكثر من جمهورية إيران الإسلامية حليفه الإقليمي الوحيد. فعلى الرغم من تعرُّضها لعقوبات اقتصادية مرهقة بسبب طموحاتها النووية، أثبت دعم طهران المالي والعسكري الثابت أنه حيوي لاستمرار بقاء الأسد". بالنسبة إلى طهران، لا يتعلق الصراع السوري ببساطة بمن يسيطر على دمشق، بل هو يُمثِّل في نهاية المطاف بؤرة صراع أيديولوجي وطائفي وجيوسياسي أوسع نطاقاً ضد مجموعة متنوّعة من الأعداء، بمن فيهم السُنّة ودول الخليج العربية والولايات المتحدة.

ويُمثّل التحالف بين إيران وسورية شراكة استراتيجية بين نظامين استبداديين، أكثر منه رابطة عضوية بين دولتين. وعلى الرغم من التناقض الأيديولوجي بين النظام البعثي العلماني في سورية وجمهورية إيران الإسلامية، أدّى الازدراء المشترك لعراق صدام حسين في البداية إلى جمع الدولتين في عام 1980، وساعد الخوف المشترك من الولايات المتحدة وإسرائيل وكرههما في تعضيد هذا التطابق في المواقف.

بالإضافة إلى كونها حليف إيران الثابت الوحيد منذ عام 1979، وفَّرت سورية لطهران، في عهد بشار الأسد ووالده الراحل حافظ، رابطاً جغرافياً حيوياً مع ميليشيا "حزب الله" الشيعية اللبنانية، والتي يُعتبر تأسيسها واحداً من أبرز إنجازات حكومة إيران بعد الثورة. وتُعَدّ سورية وحزب الله عنصرين حاسمين في ما يسمى محور إيران لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث يُعتقد أن جزءاً كبيراً من أسلحة حزب الله يأتي من إيران عبر مطار دمشق. وبالتالي فمن دون الأسد، يمكن لتلك الرابطة أن تنقطع. كما تشعر إيران بقلق بالغ إزاء الآثار الجيوسياسية لتغيير النظام في سورية. فالأغلبية الساحقة من سكان سورية هم من العرب السنّة، على الرغم من أن العلويين هم الذين يحكمون البلاد حالياً. ونظراً إلى انتشار المشاعر المعادية للشيعة والفرس بين المعارضين في سورية، تخشى طهران من أن يحكم دمشق بعد الأسد نظام طائفي منحاز للقوى العربية السنّية الأكثر ثراءً ويكون معادياً لإيران الشيعية. وقد حدت هذه العوامل بإيران أيضاً إلى دعم الأسد بإصرار. وفيما لا يمكن إنكار دور إيران الكبير جداً في سورية، فإن من المستحيل معرفة الحجم الدقيق للمساعدة المالية والعسكرية التي تقدمها طهران إلى نظام الأسد. فقد قدّمت إيران منذ فترة طويلة النفط المدعوم لسورية، غير أن السخاء المالي الإيراني ازداد بشكل كبير منذ بدء القتال عام 2011. وفي حين أكدت وسائل الإعلام الرسمية في كلا البلدين أن إيران قدّمت إلى سورية أكثر من 4 مليارات دولار على شكل ائتمان (ظاهرياً "لتمويل شراء البنزين والمنتجات المرتبطة به")، تفيد تقديرات غير مؤكَّدة بأن إيران تعطي سورية حوالي 700 مليون دولار أميركي شهرياً.

بالتعاون مع حزب الله، توفّر إيران لسورية المساعدات العسكرية والتدريب الاستخباراتي لمساعدتها في سحق الثوار في يونيو 2013، لعب مقاتلو حزب الله - يُقدَّر عددهم بحوالي 5 آلاف في سورية - دوراً حاسماً في استعادة السيطرة على بلدة القصير الحدودية الاستراتيجية. ويقال إن طهران ساعدت أيضاً على تأسيس جماعة سورية شبه عسكرية قوامها 50 ألف رجل تعرف باسم الجيش الشعبي لمساعدة القوات الحكومية السورية.

وعلى غرار المواقع الاستراتيجية الإيرانية الأخرى في البلدان التي تمر باضطرابات، مثل العراق وأفغانستان، فإن جناح النخبة في قوات الحرس الثوري الإسلامي، المعروفة باسم قوة القدس، وليس وزارة الخارجية الإيرانية، هو الذي يشرف على أنشطة طهران في سورية. ويقال أيضاً إن الحرس الثوري دعم برنامج الأسلحة الكيميائية في سورية من خلال تزويد البلاد بعلماء ومعدات ومواد كيميائية إيرانية.

في حين ساعد السخاء الإيراني في الحيلولة دون انهيار نظام الأسد، ربما يكون من الصعب على طهران تحمّل الأعباء المالية للصراع الذي طال أمده في سورية. فقد دمّرت العقوبات الدولية الصارمة إنتاج وصادرات النفط الإيرانية التي تمثّل شريان حياتها الاقتصادية. وفي ظل غياب اتفاق نووي شامل يقلّص العقوبات الاقتصادية ويسمح لإيران بالوصول إلى النظام المصرفي العالمي مرة أخرى، سيخضع الدعم المالي الذي تقدمه طهران إلى نظام الأسد إلى مزيد من التدقيق في الداخل الإيراني من جانب السكان الذين يرزحون تحت وطأة الضغوط الخارجية وسوء الإدارة الداخلية. الصراع الذي طال أمده في سورية سيستمر أيضاً في التسبب بأضرار كبيرة لسمعة إيران في أرجاء العالم العربي كافة ذي الأغلبية السُنّية. وفي حين كانت إيران الشيعية الفارسية قادرة في السابق على تجاوز الانقسامات العرقية والطائفية من خلال استمالة الغضب الشعبي العربي ضد السياسات الأميركية والإسرائيلية، ينظر العرب السنّة إلى إيران اليوم، وعلى نحو متزايد، باعتبارها طرفاً فاعلاً جنائيّاً وطائفياً ومتواطئاً في قتل وتشريد الملايين من السوريين.