قام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بزيارة إلى لبنان في 4 يونيو الحالي شجع خلالها أعضاء مجلس النواب اللبناني على انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتعهد بتقديم 51 مليون دولار لمساعدة بيروت على استضافة اللاجئين السوريين، وأعلن أن الإدارة الأميركية ستسعى إلى الحصول على تمويل إضافي لقوى الأمن اللبنانية. وأضاف "خلاصة القول إن قيام لبنان آمن ومستقر هو شرط أساسي لقيام منطقة آمنة ومستقرة". لكن زيارة كيري التي جاءت بعد يوم واحد من "إعادة انتخاب" الرئيس السوري بشار الأسد ووسط الفراغ الرئاسي في بيروت، قد ألقت الضوء فعلاً على غياب الأمن والاستقرار في لبنان. وللأسف، ليس من الواضح ما إذا كانت المبادرات الأخيرة التي اتخذتها الإدارة الأميركية ستنجح في منع حدوث المزيد من التدهور.

حول غياب الأمن والاستقرار في لبنان كتب مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، تحليلاً سياسياً، نشره المعهد بتاريخ 12 يونيو الحالي، جاء فيه ما يلي:

تبدو الإدارة الأميركية قلقة من أن يؤدي الفراغ الرئاسي إلى تفاقم التوترات بين السنة والشيعة وإضعاف اتفاقية اقتسام السلطة في لبنان. وفي خطوة عكست الممارسات المعيارية المتبعة، لم تدعم واشنطن أي مرشح رئاسي بشكل رسمي. فقد قال جون كيري "هذا الأمر يعود لزعماء لبنان". ومع ذلك لا يزال الانقسام بين "قوى 8 آذار" و"تحالف 14 آذار" حاداً وعميقاً.

خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده كيري في بيروت، قال إن الوضع الأمني في لبنان يشكل "مصدر قلق بالغ للولايات المتحدة". وصحيح أن قلق الإدارة الأميركية قد يكون صادقاً، لكن السياسات المتبعة لا تعكس على ما يبدو حالة الإلحاح المطلوبة. على سبيل المثال، إن الـ400 مليون دولار التي قدمتها واشنطن لتغطية التكاليف المتعلقة باللاجئين كانت مفيدة من دون شك، لكن المبلغ يعد متواضعاً بالنسبة إلى حجم المشكلة. علاوة على ذلك، لا تزال الإدارة الأميركية عاجزة حتى اليوم عن إقناع الجهات المانحة الأخرى بالالتزام بتقديم المنح بالمستوى المماثل.

ولم تكتف الصحافة اللبنانية بانتقاد العرض الأميركي حول المساعدات الإضافية للاجئين بسبب صغر حجمها، بل هاجمت بعنف سذاجة كيري المزعومة بتملقه لـ"حزب الله" وإيران من أجل "انخراطهما في مساع شرعية لوضع حد لهذه الحرب السورية". وقد بلغ الحد بصحيفة "النهار" اللبانية في عددها في 6 يونيو أن كتبت في افتتاحيتها "من حقنا الاستنتاج أن هذا كلام إحدى جمهوريات الموز، وليس كلام وزير خارجية أميركا!".

لعل هذه المبالغة غير مبررة، لكن نهج الولايات المتحدة تجاه الوضع الأمني اللبناني تبدو فعلاً قصيرة النظر. وفي إطار متطابق مع استراتيجية واشنطن لمكافحة الإرهاب التي تعتبر أن الإرهابيين السنة - وليس شيعة إيران أو حزب الله - هم الذين يشكلون التهديد الأول، يستهدف لبنان مقاتليه السنة.

وفي حين تعتبر هذه الطريقة الملتوية استجابة فعالة على المدى القصير بالنسبة للبنان، إلا أن تعاون حزب الله مع الدولة و"الجيش اللبناني" (القوات المسلحة اللبنانية) يعزز أمن المنظمة في وطنها ويتيح لها تكريس مواردها لسورية ويمهد الطريق أمام قيام أسلوب عمل للتعايش في لبنان ما بعد الحرب بصورة تضفي الشرعية على الهيمنة السياسية والاستقلال العسكري لحزب الله. وفي الوقت نفسه، فإن تعاون الجيش مع الميليشيا الشيعية ضد المقاتلين السنة يخاطر تقويض مفهوم حياد الجيش اللبناني، ويضعف بذلك هذه المؤسسة.

والأسوأ من ذلك هو أن "تحالف 14 آذار" يتدهور بسبب غياب استراتيجية غربية فعالة لتجديد نشاطه، الأمر الذي يزيد من احتمالات انتخاب العماد قهوجي رئيساً للجمهورية. ومن أجل دعم هذا التحالف من المستحسن أن تعمل واشنطن على تشجيع "تحالف 14 آذار" بالتمسك برئيس مقبول لا يكون على الأقل مرتبطاً بـ"حزب الله" أو متعاطفاً معه. وبالمثل، بغض النظر عن الانتصارات الأخيرة التي حققها "الجيش اللبناني" ضد المقاتلين السنة، يجب على واشنطن أن تحذر بيروت من العواقب المحتملة - ربما من خلال مناشدة الكونجرس بالتهديد بقطع "التمويل العسكري الأجنبي" الذي تبلغ قيمته السنوية 71 مليون دولار - التي قد تنجم عن استمرار هذا التعاون العملياتي بين القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله.

وفي حين أنه من شبه المؤكد أن التنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله قد قلص من التهديد الذي يشكله المقاتلون السنة على المدى القصير، إلا أن سياسة الولايات المتحدة الحالية تسهل تجدد الدور الإيراني-السوري في لبنان، لا سيما إذا بقي الأسد في السلطة. وإذا كانت واشنطن ملتزمة حقاً بالمحافظة على الأمن اللبناني على المدى البعيد، لا بد أن تكون أولويتها الأكثر طموحاً هي تأمين حليف محلي يكون أكثر تماسكاً وفاعليةً ويتمثل في قيام "تحالف 14 آذار" بتشكيلة جديدة.