إذا كان من الصعب قراءة التاريخ بأثر رجعي، فإن السؤال بعاليه هو سؤال افتراضي يجب أن نقرأه اليوم، وهو ببساطة: ما الذي يمكن أن يحدث لو وقعت جريمة الحادي عشر من سبتمبر في 2014؟!
نسأل هذا السؤال ونحن نعيش اليوم الذكرى السنوية الثالثة عشرة لعدوان "القاعدة" على الولايات المتحدة الأميركية، وقتل فيه ثلاثة آلاف بريء بطريقة وحشية.
هل كان من الممكن لو حدث الحادي عشر من سبتمبر في 2014 أن تكون ذات الخسائر البشرية في 2001؟
ولك أن تتخيل لو أن تنظيم القاعدة الإرهابي منذ نشأته وحتى يومنا هذا استمر في عمليات التجييش والتغرير بالشباب، واستمر في جمع الأموال وامتلاك أسلحة نووية، واستثمر كل إمكاناته للسيطرة على عدد من الدول؛ هل كنا نستطيع اليوم في 2014 أن نواجه هذه الكارثة؟
أعتقد أنه لولا 11 سبتمبر 2001 لما استطعنا أن نكتشف أن هناك تنظيمات إرهابية عابرة للقارات، ولولا 11 سبتمبر لما تمكنا في المملكة من مواجهة عصب التنظيم وتفكيك خلاياه الإرهابية!
ولولا 11 سبتمبر لما تشكلت منظومة دولية "لمكافحة الإرهاب" كما هو الحال اليوم، ففي الأمم المتحدة هناك ما يزيد على 7 مؤسسات تعمل في هذا المجال، وعلى المستوى الدولي هناك العشرات من المنظمات غير الحكومية، وعلى مستوى الاتفاقيات هناك ما يزيد عن 13 اتفاقية أو بروتوكولات ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإرهاب، واتفاقيات إقليمية لا حدود لها، ومراكز بحثية تجاوز عددها 230 مركزا.
نعم، في إطار زحمة التصدي للإرهاب، مازالت النتائج دون المأمول، لكن الحق أنه لولا 11 سبتمبر لظلت الدول العربية تتعامل بتبسيط لمشكلة كبيرة ومعقدة!
أحداث سبتمبر أعادت إلى الأذهان حركة جهيمان، وحادثة حصار الحرم المكي في 1979 ليكون السؤال: مات جهيمان.. فهل ماتت حركته؟!
الأهم من هذا وذاك، هو أن الأثر الذي أحدثه جهيمان بفعله الحركي قد أعيد حيا وبصورة أكثر قسوة، وأشد فتكا، وأوسع انتشارا، بعد أقل من 20 عاما عندما جاء تنظيم القاعدة ليستلهم البطولة المزعومة لجهيمان!
ثم بدأت النسخ الكربونية تتوالد مثل "داعش" و"النصرة" لتبين لنا أن مسلسل العنف والتطرف مستمر، بل أصبحت على طريقة "حركة تلد أخرى"، ولذلك بات لزاما علينا أن نستذكر ما حدث في سياقه التاريخي، وكيف أصبحنا اليوم نعيش وسط بحر متلاطم من التطرف والمتطرفين جعلنا نشعر وكأننا قطط حوصرت في زاوية ضيقة، فلم يعد لها إلا الهجوم، الأمر الذي جعلنا نرى كل صيحة بأنها مؤامرة للقضاء علينا.
وكما برر البعض في 11 سبتمبر أن العدوان رد فعل انتقامي ضد مظالم المسلمين بفعل أميركا، ولانحيازها الأعمى مع إسرائيل، وتآمرها المستمر على المسلمين، فها نحن الآن نتعاطى بذات التفكير مع التنظيمات الداعشية، وأنها حركة صهيونية، متجاهلين أن الخطورة ليست في تآمر الآخرين علينا، بل الخطورة فيما نهيئه لهم من أسباب ووسائل للتآمر علينا!
فلو لم يتم حشو رؤوس تلامذة مدارسنا وجامعاتنا، في العقود الأخيرة، بكل ما يؤخر ولا يقدم، لما كان هنالك "إخوان" ولا "قاعدة" ولا "داعش"، وبالتالي الخطورة تكمن فينا، وليس في تآمر الآخرين علينا.