زودنا الشاعر علي الحازمي خلال الأيام الماضية بعدد من الصور لمهرجان طليطلة الشعري الذي يشارك فيه حالياً، وما يلفت النظر هو محاولة إدارة المهرجان ابتكار أساليب جديدة للإلقاء والاستماع.. أساليب قد تختلف الآراء حولها، غير أن بعضها حمل امتهاناً للشعر باسم التجديد.

فأي هبوط بالشعر - وهو من أرقى الفنون - إلى مستوى إلقائه على الناس وهم نائمون أو "منسدحون" على المراجيح.. وقبل أن تتداعى الأفكار يجب التمييز بين التجديد والاستخفاف، فالشعر كي يتم تلقيه بصورة سليمة يجب أن تكون الحواس متيقظة وليست خاملة. وعليه فالشعراء المتمكنون لا يلقون الشعر إلا واقفين، ليتفرغوا أكثر للإلقاء والتفاعل مع النص والمتلقي، ولذلك لا يمكن للنص أن يصل حين يلقي الشاعر جالساً لمتلقٍ مضجع.

قد يرى البعض أن القائمين على مهرجان طليطلة الشعري يجددون، وقد يراهم آخرون يعبثون، وفي غمرة العبث تقع الأخطاء غير المستحبة التي تنقص قيمة الشعر، ومن ذلك المختلف عليه الصور التي نشرها الصديق الحازمي لفتاة تحمل إبريقاً خرجت منه عدة أنابيب يضعها المارة على آذانهم فتلقي عليهم الشعر طبقاً لرغبتهم من قصائد مفرحة أو حزينة أو عاشقة، ويصفها الحازمي بأنها (تعرض على المارة "المينيو" ليختاروا من القائمة... وتقوم بقراءة الشعر للعابرين من خلال أداة الطعام... إنها تعزز أهمية الشعر في أذهانهم وتؤكد لهم بطريقة أو بأخرى بأن الشعر هو غذاء الروح).

ربما هناك صرعات أخرى لم تذكر لنطلع عليها ونناقشها، وبغض النظر عن النماذج التي اتبعت في تقديم الشعر يمكن القول إنه لا مشكلة مع ما يحفظ للشعر مكانته، وما يفعل عكس ذلك هو محور الخلاف والنقاش.

في صرعات الشعر، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين يتذكر أهالي دمشق خاصة طلاب جامعتها شخصاً يسمي نفسه "أبو القائد"، يراه البعض أعقل منهم ويراه غيرهم بعيداً عن العقل، ينسب إلى فكره نظرية علمية فلسفية جديدة أطلق عليها اسم "الثقب الأسود"، لم يكن يستهويه إلقاء ما يسميه قصائد إلا على مواقف الباصات، وحيث يتجمع الناس في الشوارع ليلتموا ويستمعوا إليه.. ولعله صاحب صرعة هو الآخر في إلقاء الشعر مثل أصحابنا في مهرجان طليطلة.

قد يقول قائل إنك متحامل على الإسبان لموقف حدث لك معهم، فأجيب: نعم، لم أعد أحترم الإسبان ولا أدبهم أو فنهم، وهم من جلبوا ذلك على أنفسهم، غير أن الموقف لن يتغير من ناحية وجوب احترام الشعر، ولو طلب مني ذات يوم أن ألقي الشعر على جمهور "منسدح" فسوف أعتذر عن الإلقاء تقديراً لفن الشعر أولاً وأخيراً.