والبرهة في المخيال الشعبي، هي ذاتها في قاموس اللغة: أن تتسلل مع خيوط الشمس لقضاء عمل أو الغارة لإنجاز مهمة. هو بالضبط ما شاهدته من السادة مديري التعليم بمختلف المناطق في اليوم الأول لبدء العام الدراسي، كما كانت تغطية معظم الصحف. تفنن السادة مديرو التعليم في التقاط الصور التذكارية مع طلاب الصف الأول الابتدائي عند الساعة السابعة من يوم الحياة الأول. كأن الهدف من "ماكينزم" التعليم أن يحتفظ الطالب بصورة للتاريخ ليقول لأطفاله بعد ثلاثين سنة: هذه صورتي في اليوم الأول للمدرسة مع صاحب السعادة. وللحق، فقد كانت "برهة" هذا العام استثنائية لافتة لكل مدير للتعليم، وكلنا نعرف ما الذي تغير في هذا العام. وزير جديد يعرف القاصي والداني أنه لا ينام بعد الفجر حتى في نهايات الأسبوع وإجازاته الخاصة.

سأقولها اليوم بوضوح ومكاشفة. نحن لا نريد من مهمة التعليم أن تتحول لصور وذكريات ما بين اليوم الأول في حياة الطفل إلى نهاياته شاباً على أبواب الوظيفة. نحن نريد أن نشاهد الفارق في البناء العقلي، لا ما بين عامين من حياة الطالب في المدرسة، بل ما بين أسبوعين. الكارثة، وكم وردت في مقالاتي هذه "المفردة"، أن بحثاً تربوياً ميدانياً يقول بالحرف إن نتائج اختبار استطلاعي ميداني برهنت أن الفوارق بين طالب الثاني المتوسط وبين الثاني الثانوي في نتائج هذا الاختبار لا تشير إلى أي فوارق على الإطلاق في القياس وحجم التحصيل، رغم عامين من الفرق الزمني والدراسي. وهنا سأدعو زملاء هذا البحث لأن يدرسوا أي فوارق هي تلك في ذات المعايير التربوية بين طالب السادسة وبين طالب التوجيهية.

الخلاصة أننا لا نحتاج إلى برهة مدير تعليم لالتقاط الصور التذكارية مع أطفال الأول الابتدائية كي تكون الصورة "بروازاً" بعد عشرين أو ثلاثين سنة. نحن نريد ثورة حقيقية في المناهج وعدد الحصص ونسبة مساحة حصة الطالب من مدرسته، وهذه هي معايير اليونيسكو لجودة التعليم التي يختلف واقعنا منها مئة بالمئة.

سأختم بما يلي: في اليوم الثاني لبدء هذا العام الدراسي زرت المدرسة التي ابتدأ فيها "طفلان" عزيزان لحياتي من الأقارب. كانا يبكيان برعب وخوف، مثلما كنت أبكي قبل أربعين سنة في يومي الأول، ومثلما كان أولادي مازن ومحمد وخلدووون يبكون في ذات التوقيت والمرحلة. كلنا يحمل الصورة النمطية عن المدرسة منذ سبعين سنة.. ومنذ سبعين سنة أيضاً لم نغير سطراً واحداً في واقع التعليم.