في زحمة الزفة الرمضانية الدرامية ـ المشهودة كل عام ـ والحافلة بكل ما يفسد الذوق، ويسطح الوعي ويسذجه ويرضعه التسلية الرخيصة؛ تهمش الأعمال القليلة الجيدة والمشغولة باقتدار واحترام لعقل المتلقي! فالأضواء تسلط ـ للأسف ـ على الأعمال التهريجية الخالية من المضمون أو الفقيرة دراميا، أو الأخرى العازفة على أوتار الإيحاءات الجنسية أو الملابس المكشوفة! توارى مسلسل (الاجتياح) ذات رمضان عن العيون ولم تنتبه لوجوده إلا القلة إبان عرضه الأول، لتنقذه يد جائزة (ايما) العالمية من الإهمال والتهميش، لتعيد ـ بعد الجائزة ـ عرضه قناة MBC وتلفت له الأنظار! أيضا يضيع في خضم زفة الهلس الرمضانية هذا العام مسلسل بجودة وروعة (وراء الشمس) بما يتميز به من جدة في الفكرة وقوة في الطرح والرؤية الإخراجية! والمسلسل يسلط الضوء على معاناة المهمشين "وراء الشمس" من ذوي الاحتياجات الخاصة، بكل ما تحفل به حياتهم وحياة ذويهم من صراعات وآلام نفسية؛ يسجنون معها في قيود ظروفهم وما تفرضه عليهم من شروط اجتماعية وإنسانية صعبة للغاية. يشارك في بطولة المسلسل شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة المصابين بمتلازمة (داون)، ويقول المخرج (سمير حسين) إنه اختاره من مئات الشباب الذين يعانون من هذه الحالة، ليعطي الإحساس الحقيقي وأنه قضى شهورا في تدريبه ليقف أمام الكاميرا. ولو كان هناك أوسكار درامي تلفزيوني لناله بكل جدارة الممثل السوري القدير (بسام كوسا) الذي لعب بكل احترافية وبراعة دور مريض بطيف التوحد. وأستطيع أن أقول ـ بكل ثقة ـ أن (بسام كوسا) أدى الدور باحترافية تجاوز فيها الممثل العالمي (دستن هوفمان) الذي لعب دورا مشابها بفيلم Rain Man، ونال عليه جائزة الأوسكار لأفضل ممثل رئيسي عام 1988.
والمسلسل تتداخل فيه القصص الدرامية بحبكة متقنة ومدروسة، لتصل رسالة العمل الهادفة لزرع الأمل واستمطاره بحياة أفضل وأوفر كرامة تليق بالإنسان كيفما كانت القيود التي وجد نفسه مسجونا داخلها! كما يثير العمل الكثير من الأسئلة عن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ويطرح سؤالا أخلاقيا عريضا عن أحقية الأهل في إجهاض الجنين الذي يعرف مبكرا أنه سيولد معاقا، تخلصا من مسؤولية صعبة وتبعات نفسية ومادية جسيمة؟ فيما برعت الممثلة (صبا مبارك) في تصوير الصراع النفسي للأم التي تعلم مسبقا أن طفلها سيولد مريضا وغير قادر على ممارسة الحياة كأقرانه.
ليت (حسن يوسف) الذي دافع بضراوة عن دوره في مسلسل (زهرة) يشاهد مسلسل (وراء الشمس) ليدرك الفرق بين العمل الذي يحمل رسالة حقيقية والعمل الهابط!