حين نطالب كعرب بحقوق الشعب الفلسطيني لا يعني أنه يجب علينا أن نتقبل ونكتفي بما يقدمه العالم لنا من فتات الحقوق بما أنه اعترف بفلسطين. كأنه يقول: اشكروا ربكم بأن الشعب الفلسطيني يعدّ الآن شعبا مثله مثل "الإسرائيلي"!
ماذا؟! تريدوننا أن نساوي بين المعتدي والمعتدى عليه وفوقها نسلم ونسالم؟! كيف نساوي بين من بنى مدنه وقراه على أنقاض مدننا وقرانا؟ كيف نساوي بين من يهاجم ومن يدافع؟
نعم يدافع، فإن نسيتم نذكركم بأنه من حق من احتلت أرضه أن يدافع إلى أن يحقق الاستقلال والحرية، جملة بسيطة لكن في عقول الكثير معقدة، لا نستطيع إدخالها في عقولهم المسيّجة والمحتلة منذ عقود؛ بسبب آلات الشر التي شوهت الحقائق وقلبت المفاهيم، ليس فقط في عقول الغرب بل في عقول أجيال من أبناء جلدتنا يطالبون بالسلام والتطبيع، أو يبررون هجوم العدو ووحشيته بأنه استفز فاضطر للدفاع عن نفسه! أي سلام مع من يطالب علانية وبصحفه اليومية بسحق الشعب الفلسطيني؟! حين يسمح لمقالة أن تظهر لأكثر من مرة تبرر التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني، أليس هذا دليلا على أن "برقع الحياء" قد وقع ولم يعد يهمهم حتى الرأي العالمي؟! أي سلام في ظل قانون كيان يدعي الديموقراطية بينما كل قوانينه تقطر عنصرية؟! أي سلام مع قانون يتجاهل الجرائم شبه اليومية ضد أفراد من الشعب الفلسطيني من قبل المستوطنين وإن حدث وصدر أي حكم يكون مع وقف التنفيذ، هذا في حال وصلت أصلا للمحاكم؟!
أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يدافع عن نفسه على الأقل حسبما جاء في وثيقة حقوق الإنسان؟ ألا يعطيهم القانون الدولي هذا الحق؟! فأي شعب يقع تحت الاحتلال له الحق في استخدام أي وسيلة تسهم في الدفاع عن نفسه، نعم، لقد نجح العدو فيما يتقنه جيدا وأكثر من ذلك، لقد نجح في القتل والتدمير والتهجير، ويزداد إبدعا في ذلك يوما بعد يوم برا وجوا وبحرا، ولكنه أخفق في قتل الروح المقاومة. الروح العنيدة المؤمنة بأرضها وحقها وقضيتها. ومثال غزة فيه العبر لمن فيه القليل من الإدراك، فرغم القتل والتدمير والهمجية لم نسمع منهم كلمة استسلام أو تذلل أو ضعف وتراجع، لقد كان الموقف واضحا وثابتا "وقف القتال مقابل الحصار"، ولمن لا يعرف ما هو الحصار فليقارن بين شعب يقتل ببطء ومن يقتل بالسلاح، وليست أحداث العراق بعيدة لننسى كم كان عدد ضحايا الحصار وكم كان عدد ضحايا الاجتياح!
كيف يعقل أن نطالبهم بالتخلص من السلاح مقابل رفع الحصار؟! نقف أمام جهاز شيطاني يسلح من دول كثيرة حول العالم، وفي نفس الوقت نطالب من يواجه الاحتلال أن يتخلى عن سلاحة ويكون تحت رحمة المعتدي! قبل أن نطالبهم بذلك أليس من المنطقي والإنساني أن نطالب بوقف تسليح المعتدي؟! أم تريدونهم أن يتخلوا عن السلاح ويقف أطفالهم تحت رحمة دبابات ورصاص العدو مسلحين فقط بالحجارة... عندها فقط.. ستقفون إلى جانبهم؟!
كلا، لن نعتذر حين نطالب بحق أهلنا بالعيش الكريم على كل ذرة تراب من وطنهم، كلا لن نعتذر حين نطالب بحق حرية التحرك على أراضيهم، حق الاحتفاظ بممتلاكتهم. بنائها، زراعتها، تطويرها، حق التعليم والتنمية، حق الاعتراف بإنسانيتهم بين من يعتبر مجرد وجودهم خطرا على وجوده، فيلجأ إلى كل الوسائل للتخلص من هذا الخطر حتى لو كان ذلك بالتطهير العرقي!
كلا لن نعتذر حين نطالب من الشرق قبل الغرب المقاطعة وبجميع أشكالها، الاقتصادية والسياسية والثقافية والأكاديمية، تجاه الكيان الصهيوني المعتدي، كلا لن نعتذر عن دولة تستخدم الفصل العنصري ليس فقط ماديا بل معنويا واقتصاديا ودينيا وإنسانيا، المسألة ليست حائطا فقط المسألة تشمل فصل شعب بأكلمه عن شريان الحياة!
كلا لن نعتذر حين ننظر إلى القضية الفلسطينية كبوصلة للأمة العربية والإسلامية، إن كان لأمر أن يجمعنا بعد تشتتنا فهو القضية الفلسطينية، قد نختلف في السياسة في الأفكار والرؤى، في التحليلات وطرق المعالجة، لكني أتوقع ـ وأتمنى، إنسانيا على الأقل ـ أننا لن نختلف بحق شعب في الحياة بكرامة وحرية على أرضه.
كلا لن نعتذر حين نكتب عن القضية الفسلطينية بدل المرة مليون مرة، كلا لن نعتذر لمن لا يعرف كيف يربط بين ما يجري في الأراضي المحتلة وكل التداعيات في الوطن العربي، كلا لن نعتذر لكل متقوقع داخل جدار بناه حول فكره يرفض أن يرى أبعد من أنفه، كلا لن نعتذر لمن ينظر ولا يرى، لمن يقرأ ولا يفهم، لمن يسمع ولا يصغي. كلا لن نعتذر لمن "ضاق واستضاق واختنق" من كل ما تعنيه كلمة فلسطين، ولكل من يعارض نطالبه فقط أن يريحنا ويبتعد إلى جانب الطريق، ويترك أصحاب الحق يتحركون، فليس المطلوب أن تشاركوا، ولكن لا تقفوا عقبة بين البصر والبصيرة، بين المصير والمسيرة! ونذكر الجميع بأن "السلام" لا يطلب إلا من أهل "السلام" عدا ذلك يفرض.
من أجل كل من استشهد من أطفال وشيوخ ونساء ورجال.. لن نعتذر، من أجل كل نقطة دم سالت.. لن نعتذر، من أجل كل ما دمر وكل من هجر، وكل من حرم من العودة إلى أرضه.. لن نعتذر، من أجل شعب حي يراد له الموت.. لن نعتذر، من أجل الكرامة والحق والإنسانية.. لن نعتذر!