لا اعتراض أبداً على شرع الله المطهر ولا على القضاء، ولكن يبقى لنا الحق وفق نظام القضاء أن نترافع حول الأحكام وأن نجادلها بطريقة لائقة. أكتب، وقد قرأت البارحة لائحة الدعوى العامة من هيئة التحقيق والادعاء العام ضد من أسمتهم "مستغلي أزمة مياه عسير" مثلما أدهشتني الأحكام القضائية الصادمة. لائحة الادعاء ومن بعدها الأحكام القضائية تركت المتسبب في الأزمة واختارت الإطاحة بالصغار. تركت كل من تسببت قراراتهم في الأزمة وعاقبت شباك المنافذ وصغار الموظفين على آخر الخط لأنهم شفعوا لهذا وتوسطوا لذاك في الحصول على صهاريج ماء لم تبلغ العشرة.

ولو أننا نعاقب بمثل هذه القسوة كل صاحب شفعة أو واسطة كما هو نص الاتهام في حق هؤلاء لأدخلنا السجن كل موظف بالخطوط السعودية لأنه "هرَّب" مقعداً على الطائرة، كل موظف بالصحة لأنه شفع لقريبه المريض بموعد للأشعة، كل موظف بالجامعة لأنه خدم ابن عم زوجة عمه في إضافة مادة، كل موظفي إدارات التعليم لأن كل فرد منهم أسهم في نقل معلم من مدرسة للأخرى. ثلاثة أرباع موظفي الدولة لأنهم جمعوا بين التجارة والوظيفة بطرق ملتوية. الكارثة أن لائحة الدعوى ومن بعدها الأحكام تترك الذين ألغوا بـ"شخطة" قلم مشروع المرحلة الثالثة من التحلية المعتمد نظاماً، جهاراً نهاراً، بما يقرب من ثلاثة مليارات رياااااااال، ثم ذهبت لتأديب بضعة صغار لست سنوات لأنهم "هرَّبوا" تسعة صهاريج مياه كما هو مكتوب مدون مخطوط مبرهن مثبت في اللائحة. تركت من حرم منطقتين كاملتين من مشروع حكومي معتمد مدروس بثلاثة مليارات ريال ثم اختارت بضعة صغار تلبسهم ثياب التسبب في الأزمة لأنهم توسطوا أو شفعوا لأقاربهم في الطابور: كأننا في السويد أو سويسرا. لو أننا نسجن كل من شفع أو توسط خدمة لقريب لبنينا زنزانة فوق سطح كل منزل. هؤلاء أخطأوا نعم، بحسب النظام، ولكن... كلنا يفعل ذلك مع إشراقة كل شمس. وأنا اليوم لا أدافع عن الخطأ، ولكنني ضد أن نهرب إلى أخطاء الصغار كي ننسى الخطأ الأكبر. أنا أعلم جيداً من ملف المياه العسير أن الأمير فيصل بن خالد أول أمير منطقة جاهد لتصل المياه المحلاة إلى كل محافظة ونجح استثنائياً بالفعل، مثلما أعلم جيداً أنه صارع على كل الجبهات ضد إلغاء مشروع رسمي معتمد للمرحلة الثالثة. أنا أعلم أنه أول من تنبأ بحدوث الأزمة وأنه أول من كتب أرقام الفرق بين المنتج وبين الحاجة. أما أن تلصق التهمة في الأزمة على هؤلاء لمثل هذه الأسباب، فكلنا يفعل ذلك كل يوم وإذا كان الأمر هكذا فسأتبرع متطوعاً: اسجنوني معهم..