على هوامش زيارته التاريخية لبريطانيا هذه الأيام، لا حديث للبابا بنديكتوس في كل ثنايا خطبه ومواعظه في احتفالات استقباله المختلفة، إلا الاعتذار للأطفال من ضحايا التحرش الجنسي الذي أصبح فضيحة عالمية للكنيسة الأوروبية. ومثلما قال أحد القساوسة الكبار من أسكتلندا ليلة البارحة لراديو هيئة الإذاعة البريطانية: ستأخذ الكنيسة والعمل الكنسي وقتاً طويلاً جداً حتى تتعافى أمام الرأي العام من إرهاصات الربط الإعلامي الكثيف ما بين الكنيسة وبين مصطلح التحرش الجنسي. وفي المعدل، لا يمر أسبوع واحد على الكنيسة الأوروبية دون أن تظهر للسطح قصة تحرش جنسية جديدة لضحايا من الأطفال في عدد هائل من المدن الأوروبية وبعضهم يفضح تجربته بعد سنين طويلة من تجربته الأليمة. بعضها قصص من عقدين أو حتى ثلاثة خلت، وسأحترم مثلما هي عادتي، أديان الوحي، حتى مع إيماني بتحريفها ورفضي لشركية ثالوثها، ولكنني سأقول بالفم المليان: هذه هي نهاية الكهنوت وهذه نتائج الثقة المفرطة في الأفراد لمجرد أنهم في الظاهر يبدون بسيمياء الدين وهذه هي إرهاصات ـ الصندوق المغلق ـ الذي تصر عليه مؤسسات العمل الديني في شتى الأديان والملل. الدين للجميع ومن الخطأ أن تستأثر به طائفة بمعزل عن المجتمع.
صحيح جداً جداً جداً، أننا في ديننا الحنيف ورموزه ومؤسساته المختلفة أبرياء مثل الثوب الجديد الأبيض عن مثل هذه الفضائح المقززة ولكن ما هي الفائدة من الدرس؟ ذات الصندوق المغلق وتلك الثقة المفرطة لمجرد سيمياء الصلاح هي من استغلها بعض القلة القليلة من مؤسسات العمل الديني في تسريب أفكار الضلال والإرهاب والتكفير إلى عقول صبية صغار ثم اعتنقوا هذه الأفكار ثم اكتشفناهم بعد سنين قنابل وأحزمة ناسفة. بفضل الثقة المفرطة وسياسة الصندوق المغلق تسلل إلى مفاصل بعض العمل الديني بعض القلة من الأفراد الذين شوهوا معالم الجهاد والنصرة حتى ضاقت قوائم المطلوبين والسجون بشباب لم يفاجئوا أحداً مثلما فاجؤوا والديهم وأسرهم بهذه الأفكار: قبض على الشاب ولكن مازال أهله يودون معرفة الأشخاص على الخيط الأول من ذلك الطريق. بفضل الثقة المفرطة والصندوق المغلق تحول بعض العمل التطوعي والخيري إلى شبهة داخلية ودولية فلا أحد اليوم يتبرع لقضية ما أو مشروع إلا وهو يريد الجواب: أين تذهب بعض هذه الأموال وهل الناجي منها من براثن التنظيمات سليم من الفساد المالي والإداري طالما كانت كثير من هذه الجمعيات صناديق مقفلة لا تعرف دفاتر الحساب والمساءلة.