ندعو لبعض بـ"حياة سعيدة"، ونتجاذب أطراف "الحزن" في مجالسنا، ونتبادل "الأحزان" و"النكات" معاً فـ"نتضاحك" من البكاء، أو "نتباكى" من الضحك..!
بين الضحك والحزن علاقة.. والضحك ليس دليلا على السعادة، وليس شرطا أن يكون من يسعد الناس سعيدا، والعكس كذلك.
وقد كتب الساخر الراحل محمود السعدني "المضحكون"، فكان مما قال:
زمان كان مدرس الحساب يعتقد أني "حمار"، وكنت أعتقد أني "عبقري"، وبعد فترة طويلة من الزمن اكتشفت أن المدرس كان على خطأ، واكتشفت أيضاً أني لم أكن على صواب.. فلا أنا "عبقري" كما أني لست "حماراً"، بل أنا مزيج من الاثنين "العبقري" و"الحمار".. مما يعني أني "حمقري"..!
ولأني "حمقري".. فقد كنت أرفع شعاراً حمقرياً "أنا أضحك.. إذن أنا سعيد"، وبعد فترة طويلة من الزمن اكتشفت أن العكس هو الصحيح، واكتشفت أن كل رجل ضاحك رجل "بائس"، وأنه مقابل كل ضحكة تفرقع على لسانه، تفرقع مأساة داخل أحشائه، وأنه مقابل كل ابتسامة ترتسم على شفتيه تنحدر دمعة داخل قلبه.
والحزن رفيق للإنسان، ولكن هناك حزن "هلفوت"، وهناك أيضاً حزن "مقدس"، وصاحب الحزن "الهلفوت" يحمله على رأسه، ويدور به على الناس.. مقطب الجبين، والرعشة في أرنبة الأنف، والدمعة على الخدين، ويدور على خلق الله يبيع لهم أحزانه.
وبعد فترة يكون قد باع رصيده من الأحزان وتخفف، ويفارقه الحزن وتبقى آثاره على الوجه إكسسوارا يرتديه الحزن "الهلفوت" ويسترزق..!
ولكن الحزن المقدس حزن عظيم، والحزن العظيم نتيجة هموم عظيمة، والهموم العظيمة لا تسكن إلا نفوساً أعظم، والنفوس الأعظم تغلق نفسها على همها وتمضي، وتظل إلى آخر لحظة في الحياة تأكل الحزن، والحزن يأكل منها..!
ويمضي الإنسان صاحب الحزن العظيم – ككل شيء في الحياة- يأكل ويؤكل، ولكن مثله لا يذاع له سر.. وقد يمضي بسره إلى قبره، ولذلك يقال ما أسهل أن تبكي وما أصعب أن تضحك، لأن البكاء يمكن أن يصبح مهنة.
(بين قوسين)
حاول أن تحسب: كم شخص تعرف يدور على خلق الله ليبيع أحزانه عليهم، ويكدر عيشتهم بقصد أو بلا.. ؟ وهل أنتم منهم؟