نعيد ونكرر، ونلت ونعجن، ونصعد ونهبط، ونمضي وننكص، لنقول إن المنافع والمصالح هي التي تحكم العلاقات السياسية وتتحكم فيها، فلا صديق دائم إلا ما دامت المصلحة، ومن هنا فعلى الذين يتحدثون عن المثاليات والقيم الإنسانية أن ينحونها جانبا في المعترك السياسي الذي لا يرتكز ـ غالبا ـ على القيم الأخلاقية، طالما أنها تتصادم وتتعارض مع مكاسبه ومصالحه.
هكذا هو الأمر في السياسة التي لا صديق دائم فيها، وهكذا هي أدبيات وسلوكيات القوى العظمى التي تتحرك وتتغير وفقا لحركة وتغير مصالحها.
أميركا مثلا تدعي رعاية حقوق الإنسان في أمنه ورزقه وحريته، لكن هذه الأساسيات عندها تنتهك وتخترق عيانا بيانا، وهي فعلت ذلك في حروبها السابقة في فيتنام وغيرها، وتفعلها حاليا في العراق وأفغانستان واليمن وسورية، كما تفعلها بالنيابة في إسرائيل، ولا تجد بالمقابل حرجا في رفع عقيرتها تجاه القبض على أي مهدد للأمن والاستقرار في أي بلد آخر بدعوى حماية الحريات وحقوق الإنسان، لكنها بالمقابل تقمع الشباب الأميركي الذي يصرخ في فيرجسون ميسوري: لا عدل.. لا سلم.. حدث هذا منذ أن قامت الشرطة الأميركية بقتل المواطن الأميركي الأسود قبل أسبوعين، وما نتج عنه من احتدام النقاش هناك حول العنصرية الجاثمة في النفوس بين البيض والسود.
من زاوية أخرى، فإن بشار الأسد مازال يقتل شعبه أرضا وبحرا وجوا ويهدم البيوت فوق رؤوس أهلها، وقد مضى منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى أكثر من ذلك قصفا بالطائرات والمدافع والكيماوي والسحل والحرق، يحدث كل ذلك أمام نظر أميركا، وأمام تجاهلها لدعوات الأصدقاء والمتعاطفين لدعم المعارضين والجيش الحر وإعانتهم بالسلاح أو المشاركة في تقويض وإضعاف سطوة الجيش السوري، الذي يضرب الحجـر والبشر بلا هـوادة ولا رحمة، لكن أميركا مع ذلك كـله تجاهـلت كل ذلك واكتـفت بالشجب والتنديد والاستنكار.
وقابل ذلك "التطنيش" والتغاضي الأميركي عن هذه الجرائم البشرية بروز المصلحة الأميركية واضحة جلية لمواجهة تهديدات وأخطار "داعش"، التي تمددت من العراق حتى وصلت إلى سورية حين بدأت طائراتها في ضرب ومحاصرة "دواعش" البغدادي بنفس الطائرات التي تأبت على التحليق فوق أجواء سورية في مواجهة "جواحش" بشار.
طبعا كلامي ليس دفاعا عن "داعش"، وإنما هو دفاع عن المثل والأخلاق والقيم، التي لا تنمو في أوحال السياسة ونفعياتها، ولكنها تزدهر وفق المصالح المتغيرة والمتحولة.