النظرة العقلانية للحياة تجنب الإنسان والأوطان الكثير، الماضي القريب يقول إن ابن علي كان أكثر حكمة ممن تبعه من الرؤساء الذين أصروا على حرب شعوبهم وفي جانب آخر لو استجابت حكومات الربيع لمطالب شعوبها البسيطة لما حدث هذا الخراب والتدمير للبشر والشجر وحتى الحجر.

كل محنة مرّت كانت في بدايتها مجرد اختلاف في وجهات النظر رأيناه في المؤيدين لرجل أو حزب أو فكرة ما، ولو عدنا إلى الوراء قليلا أيضا لما قلنا إن رجلا حرق نفسه في تونس هو سبب رحيل رئيسها، بل المعاناة التي أحرقت هذا الرجل وأمثاله كما حدث تماما في قضية المدون خالد سعيد وتأجيج الطائفية التي دفع ثمنها الأبرياء.

وفي حين بقيت شعوب متمسكة بحكامها رغم وجود أعداء سياسيين، ورغم وجود مطالب أيضا نسأل ما الفيصل في قضية تماسك شعب أو انشقاقه حتى على نفسه؟!

التركيبة السكانية للأوطان العربية متنوعة جدا، وكذلك وجود الأقليات أو الإثنيات الدينية فيها؛ والغريب أن هذه الصراعات والفوضى لم تجعل الأقليات تسعى لتحقيق مكاسبها الخاصة فلقد عاشت راضية مسالمة؛ وعلى مستوى آخر بقيت الفرق الإسلامية موزعة في أرجاء العالم العربي، ومتماسكة ومتصالحة إلا في أوقات ينجح فيها خطاب الطائفية. ولكننا اليوم نجد من يتبنى فكرة الموت باسم فرقة أو طائفة أو مذهب أو حتى دين في مواجهة دين (داعش لا تمثل السنة والعصائب لا تمثل الشيعة)، كما قال الدكتور رشيد الخيون قبل أيام. والقضية أن الضحايا لكلا الفريقين ومنهما جزء منا، فمن أوصل أبناءنا إلى هناك؟! وكيف سلم العدو من التكفير والقتل وتحول المسلم المسالم في بيته ومسجده عرضة للنحر على الطائفة أو الشبهة أو لإثارة الرعب في المخالفين؟!

ما يحدث محير جدا من جهة، ومتشابك من جهات أخرى، أحد الظرفاء إذا أراد إحضار عامل كهرباء أو سباكة يسأله عن ولائه السياسي!

السياسة تحولت لخبز يومي بداية، ثم انتقلت لهموم معاشة، ثم بدأ القتل والنحر فإذا القاتل والمقتول عربي وإذا الضوء ينحسر عن كل قضايانا الإنسانية الأخرى فلا ندري ما حل بمن هجروا أوطانهم من نساء وأطفال ومرضى ولا نعرف معاناتهم وكأننا استكثرنا عليهم الحياة!

أصبحنا نعاني من (فوبيا) أو خوف القنوات الإخبارية فما نراه ونسمعه أقسى من احتمالنا!

وصلنا اليوم إلى أن داعش تختطف الأب ناصر النجدي وترينا صورا لأبنائه يلعبون ويفككون الأسلحة وحولهم يبتسم اللاعب الزعبي من الشرقية ويضحكهم المجاهد الشمري من الشمال في أرض الرقة بالشام! فهل يعقل هذا؟! وحتى قرار العملية الانتحارية يعلنه آخر بالنيابة عنه! لم تعد النار تهددنا بل هي تشوي لحمنا وتستنزفنا فأين المفر؟!

محليا، موقف وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل، في وقف المحاضرات شجاع جدا، فالخلل يبدأ من وجود فكر يدخل باسم الدين ليروج لثقافة الموت، أو يؤجج للطائفية أو يؤلب ضد الحياة، خاصة عندما تبكي أطفالا بتغسيل ميت، أو تعرض لهم صورا لقبر أو مشاهد دامية ترسخ في وعيهم، وقد استمر هذا يحدث لسنوات طويلة في مدارسنا، والاعتراض عليه ومجرد نقاشه كان يعد حربا على الدين وعداوة لأهله، فانظروا أين أوصلنا ترسيخ الموت والعداء اليوم! من جانب التعليم أيضا ثارت ثائرة بعضهم لظهور شيخ من الشيعة على غلاف كتاب وهذا وحده يبين جانبا من العداء الذي زرع في نفوسنا ضد المختلف فما زلنا لا نتقبله.

عزيزي المعترض على صورة على كتاب هل تعلم ما يشاهده أطفالك عبر أجهزتهم الذكية من سيل من الصور التي لا تعرفها وتدرك خطرها؟! تأمل هذه الفكرة واعلم أنك تركت الأهم والأخطر على وعي أبنائك على افتراض أن لخوفك أساسا من الصحة وليس كذلك!

سأعود إلى قرار الوزارة وأقول قد لا تصدقون أننا نحن المعلمات أيضا تأتي داعية لنا من الوزارة ترافق الداعية الموجهة للطالبات نجبر على الحضور لها لتذكرنا بالله وتعلمنا كيف نتعامل مع الطالبات وكأننا حديثات عهد بالإسلام وبتعاليمه مع أن خبرتي بالتعليم تفوقها!

يبدأ ما تعرضه هذه الداعية بأفكار جيدة وتنتقل للحديث عن نفسها فالدعوة لله بالسوالف!

أمنية - وأدرك أنها أولوية لوزيرنا- أن يعاد النظر في الطرح والتوجيه لثقافة الطلاب والطالبات لتحويلها لثقافة عمارة وحياة على أكثر من صعيد عبر الرحلات المدرسية المتكررة لا النادرة وخاصة في المناسبات - كاليوم الوطني الذي ينال اهتمام الوزارة- فيمكن زيارة منشآت عسكرية وصحية وتجارية تعرف الطلاب على منجزات الوطن، ومن خلال برامج إعلامية تبث بشكل مركزي من الوزارة عبر قناة خاصة بها تربط عبر الإنترنت بأجهزة كمبيوتر وشاشات في الفصول أو قاعات النشاط أو ترسل مسجلة وتعتمد على لغة مركزة وموجهة تعزز روح المواطنة في محافظة الطالب على حياته وحياة غيره واحترام الحقوق والالتزام بالواجبات الملقاة عليه ودوره في بناء مجتمعه الصغير المنزل والمدرسة والكبير الوطن.

ليت كل جدران المدارس تتحول للوحات فنية وعبارات جديدة، عندها لن نحتاج أن نغلق الأبواب ولا أن نعلي الأسوار فستتحول المدرسة لبيئة يستظل أبناؤنا بظل شجرة الحياة فيها.