في أحد البرامج الأميركية التي أعدت للحديث عن أهم حدث خلال التسعينات ظهرت امرأة أربعينية عرفها العالم وهي في بداية العشرينات فتاة تميل إلى السمنة، يهودية بشعر أسود وعينين غبيتين بعض الشيء ولسان لا يحفظ السر انزلق في حديث هاتفي ليلي ليصرح لامرأة كبيرة بالسن وحاقدة نوعاً ما: أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية بيل كلينتون على علاقة غير شرعية بها.
لأول مرة وبعد كل هذه السنوات اعترفت مونيكا ليونيسكي بالتعاسة التي تعيشها العشيقات خاصة بعدما أصبحت نكتة يومية يتداولها المعلقون ومقدمو البرامج الفكاهية كل يوم في كل أنحاء العالم حتى في العالم العربي.
قالت مونيكا واصفة نفسها "أنا أكثر امرأة تعرضت للإهانة في العالم"، لقد تأخرت كثيراً مونيكا في هذا الاعتراف رغم أن العالم أيقن بذلك خاصة اللحظة التي قال فيها كلينتون واصفاً العلاقة بها "لقد فهمتني هذه الفتاة خطأ".
تزامن مع حديث مونيكا هذا اعتراف متأخر جداً من زوجة كلينتون، هيلاري بأن كل ما شاهده العالم من مساندتها لزوجها كان تمثيلية لتقول بهدوء "منذ خرجنا من البيت الأبيض لم نعد عائلة"، ربما كانت جملة بسيطة أرادتها هيلاري مثل "زفرة" أخيرة لموضوع كذبت حوله دائماً مدعية أن جملة كلينتون "الفتاة فهمتني خطأ" هي جملة صادقة، وأن الفتيات يؤلفن قصصاً شتى عن الرجال كزوجها الذي هو أيضاً تدور حوله المؤامرات.
سنوات عديدة وهيلاري تحمي كرامتها المهدرة بالصمت، وعدم التعليق على تلك الخيانة التي حدثت في الطابق الأول من منزلها، بنت فيها هيلاري قوتها ومكانتها وثباتها الشخصي حتى والنساء يواصلن ترويعها بعلاقاتهن مع زوجها أو إلقاء الأحذية عليها في اجتماعاتها.
في الواقع موقف هيلاري كان في مجمله لحماية مستقبلها المليء بالأحلام والآمال، والذي عند اكتشافها للخيانة سارع دماغها لقياس الموقف وإحصاء المنافع والمضار، وانتهى إلى دفعها لكل ما سبق، ولعل ذلك لأنها ابنة المجتمع الرأسمالي القائم على النفعية والانغماس في الطموحات غير عابئ بالمشاعر ولا العواطف.
لقد آذت هيلاري نفسها، ولم تع حجم خسارتها كامرأة كان لديها فرصة لتكون شخصاً صادقاً مع نفسه وتكف عن الابتسام في وجه رجل مدمن علاقات يوقظها صباحاً ليقول سيخبرك العالم أنني خنتك.
في العالم العربي أيضاً تؤذي المرأة نفسها في قضايا الخيانة لكن ليس لمنفعة شخصية كهيلاري، بل لأنها أعدت لتتصرف لصالح الرجل دائماً، كما فعلت الممثلة السورية "ديما بياعة" بطلة مسلسل صبايا خانها زوجها الفنان الشهير "تيم حسن" مع ممثلة شاركتها مسلسل صبايا.
جلست الممثلة وقد ملأت وجهها بالمكياج كمحاولة يائسة لتبدو أجمل من العشيقة وأخبرت المذيع اللبناني نيشان أن الفنانة الفلانية "خطافة رجال" واصفة حجم الإهانة التي شعرت بها والطريقة التي عرفت بها عن تلك الخيانة.
استوقفني في اللقاء عندما تحدثت الزوجة عن رأيها في خيانة الرجل، وأنها أمر اعتيادي ولا يقصد به الزوج عادة شيئاً جاداً، لكن المرأة تخون لأنها تخطط وتحب وتريد مما يجعلها تدين زميلتها الفنانة أكثر في هذه القضية.
لم تخرج "ديما" عن الإطار الذي تضعها ثقافتها العربية فيه، والتي تعتبر الرجل كائنا لا يخطئ ولا يعاير بفعله، ولا يدان، بينما المرأة ليست سوى "بندورا" ملكة الشرور واللعنة التي حلت على الأرض.
في الواقع حاول الإسلام تغيير واقع المجتمع العربي في بدء نزوله، لكن تلك المحاولات لم تعد بتلك القوة مع سيطرة الرجال على الفقه الإسلامي ودفعهم لقضايا طاعة الزوج والخضوع له إلى المقدمة يعاونهم الوضاع والوعاظ بأحاديث في غالبها ضعيفة وموضوعة، لكنها تحقق ما جبلت عليه الثقافة العربية، وهي اعتبار الرجل أعلى منزلة حتى في خطئه.
المرأة هنا مونيكا والممثلة السورية المتهمة كلتاهما سلكتا سلوك المجتمع الذي أتت منه كل واحدة منهما, مونيكا معروف أنها كانت تظن أنها ستحقق الانتفاع والبروز عندما ترتبط بعلاقة مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية، والممثلة السورية ظنت أن زوج صديقتها يملك حق الخيانة وعلى زوجته تقبل ذلك.
كلتا الفتاتين أوذيتا بشدة بدون أدنى شفقة من العالم حولهما بينما سعى الكثيرون إلى حماية كلينتون من آثار كذبه، فلم يحاكم وخرج من البيت الأبيض بانتهاء مدة رئاسته، وإن كان قدم اعتذاراً لأسرته والشعب الأميركي، وهو الفارق الوحيد بينه وبين الرجل العربي الفنان تيم حسن في القصة.
لا أحد يكتفي من ظلم المرأة، لكن برأيي الشخصي أن الظلم لا يكون ظلما إذا توقفت هي عن ظلم نفسها واقتنعت أنها الكائن الوحيد الذي يستحق اهتمامها الأول في الحب والحرب.