اليمن المنكوب الذي كان سعيدا ذات يوم، يعاني مؤخرا من خطر أزمة حقيقية، وهو على مفترق طرق ربما تودي به إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

لم يمض وقت يسير على بصيص أمل أن تستقر الأوضاع هناك بعد رحيل الرئيس السابق الذي حكم قرابة ربع قرن وقدوم رئيس جديد؛ حتى بدأت أصابع الشر الساساني تعبث في الجار الجنوبي.

الجنرال سليماني كضابط مخابرات محترف كان قد رسم السيناريو لتحويل اليمن إلى عراق آخر، ونجح في ذلك إلى حد بعيد، إن لم يستفق الأخوة من عرب اليمن لما يحاك في طهران ضدهم.

انتهى من إعطاء التعليمات لـ"نصراللات" في لبنان كي يدمر ما تبقى من حياة المواطن السوري واللبناني، ثم التفت إلى صنعاء كي يكتمل المشهد باتجاه الهدف الحقيقي "المملكة"، وكل هذا والبعض من المغرر بهم من العرب لم يفق من سكرته.

عبدالملك الحوثي لا يعدو كونه أحد منفذي المخطط الفارسي لتدمير الوطن العربي وتفتيته وإضعافه؛ لمحاولة الاستيلاء عليه بوعي ومعرفة أو بجهل وحماقة. الحوثيون يحاصرون العاصمة صنعاء منذ فترة وينشرون الرعب والموت والخراب في بلد يعاني أصلا من الجوع والفقر والإرهاب وقبلية التفكير والتدبير، وهذا ما يريده المعممون في قم وأصفهان، وينفذون تعليمات طهران بحذافيرها.

خرج علينا الحوثي بتصريحات متناقضة في محاولة فاشلة لتبرير التحرك الإيراني نحو القضاء على الدولة والنظام الجمهوري والاستقرار السياسي الهش في اليمن. تحدث قرابة الساعة قبل أيام بكلام لا يسمن ولا يغني من جوع، وأكاذيب لا تنطلي على عقلية طفل في الابتدائية، فضلا عن المراقب المحايد والمتابع للمشهد السياسي. تحجج في تطويق صنعاء ومحاصرة الوزارات الحكومية ونشر الفوضى لإسقاط النظام الجمهوري بما يقول إنه هبات وأعطيات من المال العام لغريمه حزب الإصلاح، وإن هناك إعفاءات ضريبية تمنح للنافذين.

تحدث عن تجويع لجزء من مكون الشعب اليمني، وكأن بقية مكونات الشعب اليمني الأخرى تعيش في بحبوحة ورغد من العيش، وبعض زيادات في الضرائب فرضتها الحكومة لما تراه مصلحة وطنية، بغض النظر عن قناعتنا بها من عدمها.

تحدث عن الحراك الثوري وسلميته الكاذبة ولكنه لم يقل الحقيقة، ويذكر أن هذا الحراك الثوري لم يكن نابعا من الداخل بل بتوجيهات ورعاية من الحرس الثوري.

لهفي عليك يا صنعاء دار الأحبة، فكأنه لم يكن يكفيك ما ابتليت به من إرهاب متطرفي تنظيم القاعدة في اليمن وجنون الريمي وبقية المجرمين القتلة، وتلك التركة الثقيلة من الفساد التي ابتلي بها منصور هادي، ليمتحن الله شعبك بالحقد المجوسي على كل ما هو عربي وإسلامي.

الحوثي يتحرك كالدمية، ولا يحيد عن الخط الذي رسمه له جنرال الشر، وعساكر الحرس الثوري، وبالتوقيت الذي يتناسب مع مخططهم في مشهد الهلال الشيعي سياسيا، الممتد من بغداد إلى لبنان مرورا بدمشق وانتهاء بصنعاء.

توجه العقلاء من أبناء الشعب إلى عبدالملك فلم يأبه لهم، وأرسلت له الدول العشر المهتمة باستقرار اليمن بما فيها السعودية ودول الخليج والاتحاد الأوروبي رسالة مماثلة تحثه على قصر الشر والمحافظة على النظام الجمهوري ومصالح البلاد والعباد فلم يكترث.

الرجل يتجه نحو الهدف المرسوم بدقة بكل إخلاص وتفان، وهو نشر الفوضى، والحرب الأهلية، وصوملة اليمن، وإسقاط فكرة الدولة الحقيقية وتحويل اليمن إلى دولة ميليشيات ومنطقة صراع لا ينتهي.

ما يحدث في صنعاء صباحا تتأثر به الرياض مساء، بحكم عوامل الجغرافيا والتاريخ والمكون الاجتماعي المشترك، وهذا ما لا يدركه حوثي إيران، هذا الذي أغلق عينيه، وأصم أذنيه عن كل تلك الدعوات لتعزيز السلم الأهلي.

من قلب مشفق ومحب أخاطب الشعب العربي في اليمن والشباب المستنير، أن يهبوا لإنقاذ الجمهورية والدفاع عنها وحماية مقدرات اليمن واستقراره من هذا الرجل الذي يشترك معهم في الزي واللغة والسحنة فقط.

ندعو كمثقفين عرب قلقين على صنعاء، الرئيس هادي أن يكون أكثر حزما، وأن يستعين بمجلس الأمن وكل القوى الحرة في هذا العالم؛ من أجل إفشال المشروع الإيراني في اليمن. ونخاطب القوى العربية الفاعلة في المشهد والحكومات أن تحاول بمساعدة الدول النافذة في مجلس الأمن إيصال رسالة إلى قادة الحوثي في طهران، أن أمن الشعب اليمني ـ الذي هو جزء من أمن الشعب السعودي ـ خط أحمر، وضرورة أن تأمر قوات "رجلهم في صنعاء" بالعودة من حيث أتت، وتمارس كل الضغوط على طهران، إن كانت جادة ولا تضيع مزيدا من الوقت في الحديث مع رجل لا يملك من أمره شيئا.

لي في اليمن أحبة وأصدقاء، وهو بلد لنا معه حدود مشتركة طويلة جدا، ويقلقنا ما يحدث هناك، فالله الله بوطنكم يا من وصفتم بالحكمة، فقد قيل إن الحكمة يمانية. اللهم إننا نستودعك اليمن وأهله، ونعوذ بك من الشيطان وشرور إيران، وأن ترد كيدهم في نحورهم، وأن تعيد الحوثي إلى رشده، وتهديه إلى العروبة والإسلام والسلام، أو تأخذه أخذ عزيز مقتدر.