يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، في طريقه لخلع رداء ما يسميه بـ"الجهاد"، على حساب التفرغ لحكم بعض المناطق السورية، التي يفرض سيطرته عليها. وفي تتبع أجرته "الوطن" استناداً على معلومات متاحة، وأخرى خاصة من الداخل السوري، فيخطط التنظيم للاستقرار في المناطق التي يسيطر عليها، لبناء دولة مدنية على جزء من التراب السوري، وترك باقي المناطق للنظام السوري، ويسند ذلك وجود مؤشرات على هذا التوجه، حيث خفضت عملياتها العسكرية في سورية، وتوقفت في بعض الأجزاء بشكل كامل عن مقاتلة النظام السوري، وتحول الصراع أخيراً إلى عمليات عسكرية مع بعض الجماعات الإسلامية المقاتلة، ضمن حدود المناطق التي يسيطر عليها، بهدف إخضاعهم وإجبارهم على الانظمام إليه والدخول تحت رايته.

ويقوم "داعش" حالياً بتركيز جهوده على حكم وإدارة المناطق التي يسيطر عليها وتنظيم الإدارات المدنية والدوائر الخدمية، في وقت كثف فيه من الرسائل الإعلامية للفعاليات والمحاضرات التي يقيمها، وعمل على نشر تغطيات إعلامية ميدانية للحياة اليومية، والعمل في الأسواق، لخلق إيحاء أن دولة قائمة بمقدورها تقديم خدمات للمواطنين، عبر إنشاء دائرة لـ"تنظيم الأسواق"، و"حماية المستهلك"، و "دائرة الحسبة".

ونشر "داعش" مؤخراً، مقاطع فيديو تظهر عناصر تابعين له مدججين بالسلاح والعصي وهم يجوبون الشوارع والأسواق، ويقفلون المحال التجارية أوقات الصلاة ويحتجزون أصحاب المحلات المخالفة، إضافة إلى مراقبة التزام النساء في الأسواق، والحرص على "الزي الشرعي"، وعدم ظهورهن متبرجات.

ومن جهة أخرى، تعمل أذرعة داعش الإعلامية على نشر فكرها ومنهجها بين الأطفال والشباب، وذلك بإقامة لقاءات ومحاضرات تبين محاسنها المزعومة وأفضالها ومشاريعها المستقبلية، والتي سيكون على رأسها "تحرير القدس"، وبناء دولة إسلامية قوية تقوم على تطبيق الشريعة، لترغيب الشباب للانظمام لها، واستغلت في حملتها الإعلامية بعض الأطفال الذين نبغوا في الخطابة وحسن المنطق ليخطبوا بالناس ويشجعونهم للانظمام إليها، ليصل الأمر إلى التدريب على القتال.

ولكي تظهر "داعش" نفسها بصورة الدولة المدنية المتحضرة، نشرت تغطيات مصورة على مواقع الإنترنت، تبين جهوده في خدمة مواطنين دولته، وتظهر الأسواق وتجمعات المواطنين، لخلق إيحاء بأن المواطنين السوريين راضون عن إدارتهم للدولة "المزعومة"، التي ينعم السوريون في ظلها بالأمن ورغد العيش. وكانت إحدى هذه التغطيات تركزت على سوق الجمعة بمدينة الرقة "شمال سورية"، والذي أعلنت عن تغيير الموعد المخصص له بدلاً من يوم الجمعة إلى يوم الخميس، لما قالت أن يوم الجمعة يومٌ "مخصص للعبادة".

أما التغطية المصورة الأخرى فكانت عن إدارة المستهلك، وظهر فيها مدير الدائرة يجيب عن أسئلة تتعلق بعمل الدائرة واختصاصاتها والخدمات التي تقدمها للمواطنين.