وصف الكاتب الروائي خالد المرضي الفائز أخيرا بجائزة الرواية في فرع الثقافة بجائزة أبها ، الجائزة بأنها بمثابة ضوء يسلط على العمل، ومحفز للقراءة، ولم يخف المرضي كاتب رواية " مصابيح القرى" الصادرة عن نادي الباحة الأدبي، فرحته بكون هذا العمل منحه جائزة أبها، قائلا لـ"الوطن": طبعا سعيد بالفوز بالجائزة، وبما أننا نحكي عن السرد فسأحكي حكاية، حين ظهرت النسخة الأولى في منزلي من الرواية لمّحت لابني يزيد - كان حينها في الصف السادس - بضرورة قراءة الرواية، أذكر أنه قلبها بين يديه ثم انشغل عنها، حاولت الاحتيال بعد كل فترة وأخرى بالتشجيع والإغراء لمحاولة زرع حب القراءة لديه خارج سياق المدرسة، لكن دون جدوى، بعد سنة ونصف، أي بعد أن سمع أنها فازت بجائزة ثار لديه فضول كبير لمعرفة ما الذي كتبه أبوه، أعتقد أن الجائزة بمثابة ضوء يسلط على العمل ومحفز للقراءة. المرضي تابع حديثه عن الجائزة، ذاكرا أنه لم يخض غمار المشاركة في أي مسابقة من قبل، وقال مفصلا: أعتقد أن فوز عمل أدبي في عالمنا العربي مهم وجيد في ظل تدني مستوى القراءة، الجائزة محفز لقراءة العمل ودافع معنوي للكاتب لمزيد من الإبداع، إنها تشبه التربيت على الكتف على الأقل بالنسبة للكاتب في مقابل كل تلك المحفزات التي تمنح لأشياء أخرى معروفة. أما بالنسبة للجوائز فأتمنى أن تزيد رغم ما يقال عنها أحيانا وما يثار حولها، جوائز الثقافة والأدب موجودة ولها قيمتها الاعتبارية في العالم المتحضر، وهي لا تخلو أيضا من انتقادات لكنها مستمرة ولها حضورها الدائم.

وحول إذا ما كانت "مصابيح القرى" تطرح تساؤلات حول مدى صدقية أن السرد في مجمله هو استعادة لعوالم تندثر حيال المدنية الساحقة، يؤكد المرضي: طبعا كمنطقة جغرافية، الرواية تتحدث عن قرى السراة في جنوب المملكة في زمنين، زمن وصول الكهرباء وتبدل نمط المعيش إثر الغربلة التي أحدثها ظهور النفط ، وزمن الوجود التركي ومعاناة أهل القرى مع الدخيل الغريب الباغي الذي فرض شروط وجوده، ومن ثم مقاومته بحثا عن حرية وكرامة الإنسان ورغبته في أن يقرر مصيره بيده. لكن الرواية تنحاز إلى الإنسان في عمومه دون ضرورة الارتباط بمنطقة معينة. ويمكن القول إن السرد ينحاز هنا إلى تثبيت ذاكرة ظلت شفوية وذاهبة إلى المحو في ظل ندرة تدوين حال إنسان المنطقة في تلك الفترات.

المرضي ظهر في المشهد الإبداعي المحلي قاصا، ويبرر خوضه عوالم الرواية، بعد نشره مجموعتين قصصيتين "لا توقع الكراسة، وضيف العتمة" بقوله: هذه تجربة أولى في كتابة الرواية، تعرف أن الكتابة مغامرة، المهم أن تظل اليد ساخنة ومستعدة دوما عبر أصابعها للنقر على لوحة المفاتيح. وإذا كان مراقبون لتيارات الرواية الجديدة في السعودية، يرون في تجربة المرضي امتدادا لتجربة الروائي الراحل عبد العزيز مشري، خاصة فيما يتعلق بمقاربة الريف ، فإن المرضي لا ينفي تأثره به، موضحا: مشري كاتب كبير لكن لا أحد يشبهه، لقد تعلمت منه الكثير دون شك، لكنه يظل صاحب التجربة المتفردة في القصة والرواية، ومقاربة القرى لا تزال تحتاج إلى الكثير من الأقلام، يمكن الحديث أيضا عن تجربة الدويحي والشدوي وغيرهم فلكل أسلوبه وطريقته، أعتقد أنني خضت تجربة مختلفة تماما في مقاربة عوالم القرى .

وإضافة إلى المشري يرجع المرضي تأثره إلى أسماء إبداعية أخرى لا يسميها قائلا: لا توجد أسماء معينة، إنما هناك تراكم معرفي لقراءات مختلفة لكبار كتاب السرد عربيا وعالميا.

ويتفق المرضي مع من يرى أن الجنوب ما زال منجما كبيرا لم يستثمر إبداعيا، بثرائه وتنوع مناخاته ومجتمعه، مؤكدا: دون شك هناك عوالم ثرية مخبوئة تحتاج إلى حكائين يسردون من زوايا مختلفة، القرية لا تقل عن المدينة في إمكانية خلقها للرواية خصوصا عند الحفر والتنقيب في عصورها المختلفة. وبعث أساطيرها أحداثها ونسيج مجتمعاتها.

غير أنه لا يتفق مع من يرى أن بعض أهل القرى في انتقالهم للمدن تخلوا عن تراثهم وثقافاتهم تحت تأثيرات ثقافة المركز، ذاهبا إلى أن لا إمكانية للاختيار، مضيفا: البيئة كانت حاضنة للغة ولثقافة المعيشإ ثم إن العالم يتغير بشكل مذهل حتى حين تزور القرى الآن ستجد أنها تشبه المدن، ربما يمكن أن نطرح السؤال بطريقة مختلفة: هل أصبحنا أبناء مدن بشكل فعلي!