تقتضي سياسة التوظيف وسياسة العمل أرقاما بها نستطيع أن نعرف الوجهة التي يجب أن نأخذها للوصول إلى المحطة التي نريدها وبسلام.
يقول بل جيتس "اعرف أرقامك" know your numbers هذا شرط أساس. وأعرف أن ثقافة البحث ليست موجودة في وزاراتنا ومؤسساتنا، وأعرف أن السياسات والقرارات يتم اتخاذها عن طريق اجتماعات يتحدث فيها المجتمعون من قمة رؤوسهم، وهذا خلل كبير، إذ يزعم الجميع أنهم يعرفون وبعمق أن القرارات والسياسات تحتاج إلى دراسات وبحوث كي يتم اتخاذ القرار ورسم السياسة على أسس علمية.
ونتيجة لذلك أصبحت وزاراتنا وإداراتنا متخمة بالموظفين، وأصبحت الدولة المسؤولة الوحيدة التي يجب أن تتصدى لمشكلة البطالة.
وكل ما سبق خلل في التوظيف، ولم نر حلولا في الأفق تقضي على هذا الخلل، وهنا نرى أن مشكلة البطالة مستمرة وربما تتفاقم.
هذا من جانب التوظيف، أما من جانب العمل، فإن الأمر يقتضي أن ندرس سوق العمل دراسة علمية، ثم نعرف المجالات الموجودة فيه، والمهارات التي يتطلبها كل مجال، ثم نخطط ونبني مناهج تدرب وتعلم هذه المهارات.
أخبروني كيف يمكننا معرفة كل ذلك دون دراسات علمية؟ يقول المتنبي: "وهل يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل"؟
هل نحتاج إلى إبراز حجج لنثبت أنه لا يمكننا حل مشكلة العمل دون تلك الخطوات: معرفة مجالات العمل، المهارات التي يتطلبها كل مجال، بناء مناهج تدرس تلك المجالات.
هنا بعد أن ندرب ونعلم الشباب تلك المهارات التي تتوافق مع سوق العمل نرميهم في السوق وسيستجيب السوق لهم ويوظفهم. المشكلة التي نظنها تحول دون استجابة السوق لتوظيف الشباب، أن السوق في واد والشباب في واد آخر. وبناء على كل ما تقدم لا بد من وجود استراتيجية للتوظيف تعالج هذه القضية على المستوى القصير والمتوسط والطويل تشارك فيها: الدولة، المواطن، القطاع الخاص؛ حتى يمكن ضمان نجاح الخطط والبرامج والوصول إلى الأهداف المرسومة وهي: الازدهار الاقتصادي، الاستقرار السياسي، وتحقيق مجتمع سلمي منتج.
ولأن الدراسات تقول إن الوظيفة الجيدة لها شروط ثلاثة: راتب جيد، تدريب وتطوير، بيئة عمل مساعدة، فإن الحلول المقترحة تكون على ثلاثة مراحل: أولا: حلول على المدى القصير لحل المشاكل القائمة:
1- إعداد دراسة نوعية تحدد بدقة مجالات سوق العمل في المملكة، التي تتطلب نسبا عالية من التوظيف والمتوقع ألا تزيد عن ست مجالات. 2- التعرف بدقة على المهارات التي تتطلبها تلك المجالات. 3- إعداد حقائب تدريب عملية ونظرية لإكساب الباحثين عن الوظائف سواء في برامج التعليم المهني أو خارجه، وتلك المهارات ليصبحوا ملائمين للوظائف التي يتطلبها سوق العمل. 4- خلق فرص جديدة إضافة إلى الفرص القائمة عن طريق وضع برامج الخدمة الوطنية، تستمر مدة عامين يتم تدريب الباحثين عن الوظائف بها، بعد إكسابهم المهارات التي تتطلبها. ومن هذه البرامج:
أ- برامج تدريب وطنية في الخدمات العسكرية والأمنية المساندة. ب- برامج خدمة الإصحاح البيئي "تنظيف شواطىء
ـ رفع كفاءة الطرق ـ ترميم الممتلكات والمباني العامة من مدارس ومستشفيات وخلافة". ج- برامج خدمة المجتمع. د- برامج خدمة الفقراء والمحتاجين. هـ- تقديم مكافآت شهرية مقطوعة لمدة عامين للمشاركين كافة في هذه البرامج على غرار برنامج "حافز"، ولكن مقابل أعمال مبرمجة.
ثانيا: حلول على المدى المتوسط:
1- اقتراح برنامج متكامل للابتعاث في التدريب المهني والتقني ابتداء من العام القادم 1435/2014 تكون أهم عناصره:
أ- ترشيح المبتعثين بناء على تميزهم في مشروع الخدمة الوطنية على أن تصل الأعداد السنوية لهولاء المبتعثين 50 ألف مبتعث. ب- يكون الابتعاث في المجالات التي تحددت أثناء الدراسة، وهي المجالات الفعلية الموجودة في سوق العمل السعودي.
ج- تكون مدة الابتعاث عامين في دول مجاورة وذات تقدم تقني "تركيا- ماليزيا- جنوب أفريقيا- أوروبا الشرقية". د- إشراك القطاع الخاص في برامج رعاية المبتعثين بهدف المشاركة في التكاليف، وخلق فرص العمل مسبقا للمبتعثين المميزين.
2- العمل على تعديل نظام تقاعد المرأة بتخفيضه 50 عاما، و40 عاما على التوالي لإحلال الشابات. 3- وضع برامج مالية ولوجستية لدعم المشاريع المتوسطة والصغيرة للقوى العاملة السعودية المدربة بإنشاء صندوق حكومي ـ بمشاركة القطاع الخاص ـ على غرار صندوق التنمية الصناعي القائم حاليا. 4- وضع برامج تعويض المسرحين من أعمالهم. 5- استحداث "مرحلة التأهيلية" في التعليم وتشمل مرحلة "الروضة والتمهيدي والصفوف الثلاثة الأولى للبنين والبنات"، وتقوم المعلمات السعوديات بالإشراف والتدريس الكامل؛ مما يؤدي إلى خلق فرص وظيفية إضافية لقطاع الإناث المرتفعة نسبة البطالة فيه.
6- تطبيق مقترح إنشاء دور للمسنين لخلق فرص وظيفية للإناث أيضا.
ثالثا: حلول على المدى الطويل:
1- إعادة هيكلة برامج التنمية الاقتصادية؛ للتركيز على الصناعات ذات الكثافة البشرية، عوضا عن البرامج القائمة التي تركز على الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية. 2- إعادة هيكلة برامج الإنفاق الحكومي للتركيز على المناطق الأقل نموا. 3- وضع وتنفيذ تصور استراتيجي لمحاربة الأعراف والتقاليد التي تحط من قدر الأعمال المهنية. 4- دراسة تجارب الدول الأخرى ذات القضايا المشابهه لمشكلاتنا. 5- دراسة ربط برامج الضمان الاجتماعي مع برامج تأهيل المواطن السعودي غير المدرب.
بعد رسم الخطوط العريضة لملامح استراتيجية التوظيف لا بد من الإسراع وتحويلها إلى برنامج عمل محدد بالتواريخ، بحيث يتم البدء وفق ما ورد فيها، وأن تحدد مدة كل مرحل من المراحل الواردة بعد إعداد دراساتها وخططها وبرامجها.