شأن ذلك الرداء عظيم، ليس ليتدثر به الشاعر في لياليه الشتوية وهو يعتلي قمة جبله الشامخ، أو يتزين به وهو يقود قومه في أي شأن ثقافي كان أو اجتماعي، أو وهو يتوسط الصف المعوج الذي يلعب على إيقاعات "الزلفة" و"الزير".. بل هو بوصلة يتجه إليها كل من يبحث عن القيم والمروءة ومعاني الجمال المقيمة في موطنها الأصل.
لم أر (سهيل أميماني) ذات فعالية أو منشط ثقافي أو اجتماعي إلا وقومه وغيرهم وحزبه وسواهم يلتفون حوله، يتشبثون بأطراف ردائه السحري، ولا ينفكون عنه إلا بعد وقت أخذ البهجة من ألوان الرداء، وبعد أن يتعمقوا في نسيج الأصالة، ويلتحفوا بمعاني الرفق قبل الثقافة، ويتدثروا بكساء ا?خوة واللحمة.. كل هذا من خلال لحاف أستاذنا وكاهن الحرف وقلعة اللغة الحصينة: إبراهيم طالع.. كل من يرى هذا الرداء يظن مثلي أنه البوصلة التي توجه البشر سرويهم وتهاميهم، نجديهم وحجازيهم إلى هرم الأدب الألمعي.. لكنما الرداء تكميلي لشخصية (ابن فاطمة) الذي رضع مع حليبها شموخ التهامي وقياديته، وحلم الشاعر وشفافيته المؤطرة بقيم لا يتجاوزها ولا تتجاوزه، اعترافا من تلك القيم أنه ربها وأساسها ومعلمها الأول مذ أن كان يصف حروف سطره الأول في الكتابة.
علامة الجذب ا?ساس هي شخصيته العنيفة بحنو الأب عندما يريد أن يرسم للشخص خطوته الأولى نحو بوابة الانطلاق إلى أفق ا?بداع، عنيفة وبشوشة حالمة عندما يلتقي الأخ المحتاج إلى توجيه أخيه ودعمه. والقائد المناضل من أجل أن يبقى صف الثقافة مستقيما كما أسهم في تأسيسه ونذر سنين عمره - بل لب تلك السنين - في صناعة الثقافة وتأهيب أجيال توافدوا إلى عالم الثقافة من كل حدب وصوب.
وها نحن نراهم ا?ن أقاموا كيانات شامخة صالحة لتعاطي الثقافة بمفهومها المتعارف عليه بيننا: الانسجام والالتحام. فلا عذر لصانع هذا الجمال أن يترجل عن صهوة ا?بداع، ويترك حبات اللؤلؤ تتناثر بين الرمال، ويكون له دور في إعادة نظمها بحبل وثيق لا تقطعه نزوات ولا جهل.
أما على هذا التهامي أن يرمي بلحافه على الثقافة ليرتد إليها بصرها بعد هذا التخبط في ظلام الانحيازات؟
قطرة من ديوان (سهيل أميماني):
ولن تستطيعيْ بغيرِ الوفاءِ
عبورَ شماريخكِ الخُلّدِ
أعيذُكِ منْ عادياتِ التّصحّرِ
إنْ أوغلتْ في حماكِ النّدِيْ
إذا متِّ ظمأى فلنْ تشربيْ
من الحبِّ إلاّ دموعَ غديْ
ولن تجدي ما يعيدُ الرميمَ
حياةً سوى لذّةِ المَوعِدِ
"متى ما سهيل أميماني سقانا
ودقلِ الرّوابِعْ تزاكمْ رعودهْ
فتمسي على خير يا أخضر محنَّى
تَمسَّوْا على خيرِ والصبح مناّ".