لعل الجميع شاهد المقطع الذي انتشر خلال الأيام القليلة الماضية، والذي تظهر فيه مجموعة من طلاب المرحلة الثانوية وهم يكسرون ويتلفون أحد الفصول المدرسية احتفاء بنهاية العام الدراسي! ما شاهدناه يؤكد أن هناك بونا شاسعا بين ما يتم حشوه من مناهج في عقول طلابنا وبين التطبيق العملي لها، مناهجنا التي تعتمد على التلقين والحفظ دون فهم وتطبيق عملي لها على أرض الواقع هي من أوجد هذا المنظر وغيره من الممارسات المقززة لكثير من شبابنا التي تمارس بشكل يومي وغير مسؤول، الطلاب يدرسون ضرورة احترام الآخرين والالتزام بالنظام ويخالفون ذلك يوميا في مقصف المدرسة وأمام معلميهم الذين لا يلقون لهم أدنى اهتمام أو توجيه!

يتعلمون احترام الممتلكات العامة ويمارسون الكتابة البذيئة على جدران مدارسهم وممراتها وحوائط فصولهم وطاولاتهم المدرسية دون حساب أو عقاب أو توجيه جدي من إدارة المدرسة ومعلميها! عندما تنتهي الفسحة المدرسية وتلقي نظرة للفناء الذي امتلأ بأكوام من النفايات رغم وجود الكثير من الأماكن المخصصة لرمي النفايات تستغرب وأنت تتساءل بحرقة: ألم يدرس هؤلاء الطلاب طوال هذه السنين عن أهمية النظافة والارتقاء بالذوق العام والمحافظة على المرفق المدرسي؟! ثم يخرج الطالب للشارع وقد اكتسب هذه العادات لينشر ثقافة الفوضى وقلة الاحترام وقلة الوعي في شوارعنا؛ فنرى هذه الممارسات وقد كبرت واتسعت لتشمل السرعة والتفحيط وقطع الإشارات ورمي النفايات من شبابيك السيارات وتخريب الملاعب والحدائق العامة وتحويل حوائط المستشفيات والدوائر الحكومية والمجمعات التجارية إلى صحف حائطية تحوي أرذل وأقبح عبارات التشجيع والعنصرية والإساءة للآخرين، وهكذا يستمر الأمر ليبدو في النهاية مشهدا تراجيديا يكشف لنا أن هناك بونا شاسعا بين مقرراتنا الدراسية وتصرفات أبنائنا الأخلاقية!

الوزارة توعدت بالتحقيق ومحاسبة المتورطين في ذلك المقطع وأنا أقول: إن الشق أكبر من الرقعة، وإن معالجة حالة واحدة لن تفي بالغرض، ولكن إن كان المسؤولون في تعليمنا جادون في القضاء على هذه الظاهرة فعليهم أن يبدؤوا من الصفر ويسعوا لتأهيل كل القائمين في مجال التربية والتعليم على العمل لتغيير هذه السلوكيات من خلال المتابعة الحقيقية لتأثير ما يدرسه الطالب من مناهج وقيم تربوية على سلوكياته اليومية وجعله تأثيرا حقيقيا يهدف لتغيير الطالب للأفضل، وليس من أجل أن يحفظ ما ينال به شهادة دون تطبيق حقيقي له، وليعلم الجميع أن العلم الذي لا يرتقي بصاحبه ولا يؤثر بسلوكياته نحو الأفضل هو علم لا قيمة له مهما حاولنا تجميله.