أخي/شقيق كل آلامي وآمالي، رفيق المهجر وصديق المحضر. أغلى صدف هذه الحياة وأعلى مراتب الأصدقاء: إليك السلام وعليك من الله ـ عز وجل ـ رحمة وثواب ومغفرة: السلام عليكم أخي الدكتور، مبارك بن سعد بن سليمان ورحمة الله وبركاته.

أخي أبا عبدالله: بعيد صلاة الجمعة وقفت مع الآلاف من محبيك على قبرك في "نسيم الرياض". بكيت... ثم قررت أن يكون قبرك لي عنواناً وعبرة وعظة، كم هي عشرات المرات التي استقبلنا فيها بعضنا بعضا في المطارات، وها نحن نتوادع في المقبرة. واسمح لي، أغلى أصدقاء حياتي وأعلاهم محبة إن قلت: كم خذلتك في أيامك الأخيرة مع هذا المرض. كنت أهرب منك لأنني عاطفي سريع الدموع لا يحتمل أن يرى وجه أغلى أصدقاء حياته مهزوماً منكراً، وأنت من علمني ودربني على الانتصار والصبر. أنت تعلم، يا أباعبدالله، كم بكينا فوق ظلمة جبل "أبهاوي" قبل أشهر، منتصف المساء، حين تمكن منك المرض ثم أخذتك إلى المطار: ودعتك، للأبد، ثم قررت بعدها ألا أشاهد هذا الوجه الوضيء الباسم. أبا عبدالله: من على قبرك في "النسيم" استوت لدي معاني الموت والحياة. يوم الرابع والعشرين من رمضان الماضي، وقفت أمام منزلكم بالرياض اتصلت عليكم فلم تجب. كان إبهامي على "الجرس" الذي رفض أن يضغط عليه هربت. قعدت في الحديقة الصغيرة أمام المنزل أتأمل كل نافذة. أتخيل كل شيء ضحاتك، أثوابك وثوابك في كل شيء من فعل الخير. ثنايا أسنانك الرائعة المتفارقة. كنت، أبا عبدالله، في الداخل مكسوراً منهزماً من المرض، وكنت في الخارج حزيناً باكياً يغالب شلال الدموع. كنت أعرف أنك لا تريد أن تشاهدني ويصعب علي أن أراك. آااااااه يا أبا عبدالله: أتذكر أول ساعة جمعتنا ببعضنا في "إنديانا" الأميركية. أتذكر يا أبا عبدالله، كيف اتخذتني، أنا ، ولوحدي، من بين كل معارفك، صديقاً، للنكتة والبسطة والمقالب ومبادلة الأسرار الشخصية، أتذكر أنني، أبداً لم أصافحك. لم أعانقك، كلما التقينا من شدة الحب وعتب الفراق، أبوعبدالله: حين وصلت إلى الخرج، عائداً إلى أبها، وخارجاً من مقبرة النسيم إلى مقبرة الحياة: اتصلت على جوالك. كان يرن كنت أبكي مع ظلام المغرب: رد يا أبوعبدالله. تكفى يا بوعبدالله. "أنفداك" يابوعبدالله. مبارك: رد أنا حزين باك مكتئب. أجبني حتى لو من القبر.. خلاص... خلاص... خلاص... خلاص ... خلاص للأبد. ما أجمل البكاء!