أنظر بإعجابٍ شديدٍ لما فعله اليهود من إجبار العالم برُمّته على احترام ما قرروه بشأن (الهولوكست) ومعاداة العنصر السامي، لدرجة أن باحثي ومثقفي العالم بأسره من غير اليهود؛ تجثم عليهم فوبيا السامية، ويستحضرون ذلك في بحوثهم أو مؤلفاتهم، واضعين نصب أعينهم المشانق الإعلامية التي تنتظرهم، بله؛ عن تقديمهم للمحاكمات ومقاضاتهم، لدرجة أن مفكراً فرنسياً كبيراً بحجم روجيه جارودي؛ تورّط مع اليهود ومُشايعيهم، وامتدّ الأمر إلى حتى من يشكك في رقم ضحايا المذبحة النازية ـ رغم إقراره بوقوعها ـ إذ سيجد نفسه في وجه القضاة بتهم معاداة السامية، وتوّج اليهود نجاحاتهم بإصدار الكونجرس الأمريكي قانوناً باسم (تعقب الأعمال المعادية للسامية عالميًّا) الذي أقرّه الرئيس السابق جورج بوش في 16-10-2004، يلاحق من تثبت عليهم هذه التهم.. فما الذي فعلته تلكم الأقلية العالمية كي يحترم العالم رؤيتهم ورموزهم؟.
من الضروري على النخب العربية والإسلامية المهمومة بحماية رموزها ومقدساتها من التطاول القميء عليها، الذي نشهده في حاضر الآن؛ دراسة تلك الخطوات التي خطاها اليهود، واقتفاء أثرها، والسعي لإقرار قوانين تجرّم التطاول والمساس بالرموز والمقدسات الدينية، فطالما لا توجد بنود ونصوص قانونية يُحتكم إليها، ستظل مسألة النيل من المقدس والرمز تتكرّر، ولن يوقفها أبداً شجب هنا واستنكار صارخ هناك، ورفع عقائر بالويل والثبور؛ لأن قراءة فاحصة، تشي لنا مباشرة بأن المسألة في ازدياد، ويجب على منظمة المؤتمر الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، السعي الدؤوب والمتكرّر إلى إيجاد هذا النصّ الذي رفض في مؤتمر نيويورك الأخير لحوار الأديان، وعدم الاستسلام لهذا الرفض الأولي، وضرورة طرحه ثانياً وثالثاً، والإلحاح عليه.
وإن شُغلنا في الفترات السابقة، بتطاول رسام دنماركي قبيح، وقسّ أمريكي فاسد يهدد بحرق القرآن الكريم؛ إلا أن التطاول هذه المرة أتى من سفيه شيعي مقيم في لندن يدعى ياسر الحبيب؛ ليدق إسفيناً كامناً، بين طائفتي المسلمين الكبريين، وليفتح فتنة طائفية عريضة بالتطاول على الطاهرة المطهّرة أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ ما يجعل الإصرار والتأكيد واجباً؛ لضرورة السعي الجاد من قبل العقلاء في الأمة إلى الإسراع بإقرار ميثاق ـ طالما نادينا بوجوده بين الطائفتين ـ يجرّم أمثال هذه التصريحات ويجعل من صاحبه عرضة للمحاكمة الدولية والعقاب الصارم.
ورغم حفاوتي بموقف إخوتنا الشيعة من الذين استنكروا هذا الفعل الإجرامي من قبل متطرف مارق منهم، غاضاً الطرف عن ركاكة بعض البيانات التي لم تترض على أمّ المؤمنين، ولم تذكرها بالاسم حتى؛ إلا أنني حفيٌّ بسرعة المبادرة لاستنكار هذا الفعل المشين من قبل القيادات الشيعية، ومحاولتهم وأد فتنة طائفية، بظني أنها ستلقي ظلالها لفترة طويلة على دعاة التعايش والتفاهم الطائفي.
وما زلت أكرّر بأن الأمر يجب ألا يتوقف عند هذا الحدّ من الشجب والاستنكار الآني؛ لأن أمامنا مئات بل آلافاً من أمثال هذا النكرة، سيؤججون الفتنة كل حين، وإن لم يوجد قانون عام، توقع عليه الدول الإسلامية، وتعتمده من هيئة الأمم المتحدة والمنظمات العالمية، كي يحاسب ويقع تحت طائلة القانون أمثال هذا المأفون؛ فإننا سنشهد مزيداً من التأجّج الطائفي في المنطقة، في ظلّ صدور بيانات مدافعة من جهات سنيّة ـ وهذا من حقها بالتأكيد ـ تشير إلى تكفير أمثال هذا الفعل الإجرامي، والخوف كل الخوف أن تتلقفها بعض فئاتها المتحمّسة، وتقوم بردة فعل عنيفة ـ بالتأكيد مرة أخرى أن هذا متوقع ـ وتطبقه برؤيتها الفقهية، وننجرّ جميعا إلى فتنة عمياء، نحن ـ كدول ومجتمعات ـ في غنى عنه.
لا أجد سوى المفكر أكمل الدين إحسان أوغلو (أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي)، كي يبادر إلى تبني هذا القانون لتجريم التطاول على الرموز، وهو وإنْ حقق سبقاً تاريخياً بإقرار قانون لاحترام المذاهب الإسلامية الثمانية، وعدم جواز تكفير أتباعها (قرار رقم 152 بشأن الإسلام والأمة الواحدة، والمذاهب العقدية والفقهية والتربوية ـ الدورة السابعة عشرة بعمّان 28 جمادى الأولى 1427هـ)، فالمنظمة ملزمة الآن أكثر بإصدار قانون لتجريم التطاول على الرموز الدينية.
ولعل محتجين من أهلنا من السنّة، لا يرون فائدة من مثل هذا القانون، متذرعين بأن أدبيات بعض الطوائف تقوم أصلاً على سبّ الشيخين والنيل من صحابة رسول الله؛ لأقول لهم: إن إقرار مثل هذا القانون سيساعد أهل الاعتدال في طائفة الشيعة الذين يرون تحريم سبّ الصحابة والنيل من أمهات المؤمنين، ضد الغـُلاة في طائفتهم، وسيفتضح أولئكم الذين يؤججون الفتن الطائفية، ولعل هذا يساعد على تغيير مناهج التربية لأولئك الذين استمرؤوا السبّ والشتم في محاضنهم التربوية، فضلاً أننا ـ كأهل سنة ـ سنفيد كثيراً؛ لأن منهجنا لا يقوم على الشتم ولا الانتقاص، وأمامنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء في صحيح مسلم "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، ونحن مأمورون بحبّ آل البيت والصلاة والسلام عليهم كل فرض صلاة.
يا إخوة: مما حفظناه في تراثياتنا "من أمن العقوبة أساء الأدب"، ولا بدّ من إقرار عقوبة رادعة، سدّاً لفتن كبيرة تنتظرنا.