في زوايا بيت صغير تعيش أسرة بين جدران منزل يقتطع من دخلهم ما يكفي بأن يمحو فكرة تملكهم لمنزل مدى الحياة!.

الزوج يعمل ليل نهار ليؤمن لقمة العيش، والزوجة مُذ تخرجت لم تجد ما يناسب مؤهلها؛ بسبب تكدس الخريجات منذ سنوات في مجال تخصصها، حتى جاء بصيص أمل حافز ليدخل الفرح إليها لمدة عام واحد فقط كما تقول الأنظمة وتقتضي التعليمات.

رزق الله هذه الأسرة طفلا وطفلة ليكونا شمعتين تضيئان قلبَي زوجين أنهكهما التفكير في المستقبل، فالمصاريف لا ترحم، والراتب ضئيل، وإيجار المنزل، وفواتير الخدمات، ومخالفات ساهر تنهال على الأب من كل حدب وصوب.

يوما ما كان الأب يمشي بسيارته التي يدفع قيمتها بالتقسيط شهريا منذ 4 سنوات، وفي لحظة خاطفة سمع صوت نحيب عجلات سيارة أخرى، أقبلت عليه تحمل الموت، وفي الطرف الآخر كان شاب طائش، للتو انتهى من حركة بهلوانية بتلك المركبة البائسة التي أهدته إياها أمه التي ورثت مالا من أبيها الثري، وفي لحظات كانت الدماء هي عنوان للفصل الأخير من حياة هذا الأب الذي أغمض عينيه للأبد. ترملت الأم وانضم لقائمة اليتامى في نفس اللحظة الابن والابنة.

انتهت أيام العزاء الثلاثة، ولم يكن لتلك الأرملة إلا أن تستعيد رباطة جأشها لتربي أبناءها، وحين قررت العمل لم تجد إلا وظيفة بسيطة تفي بالكاد لأن تطعم أفواها جاعت للطعام ولظل الأب الذي رحل، ثم بعد كل هذا جاءها من يقول: إن مكانك البيت، وإن صوتك عورة، وإن خروجك من منزلك فتنة!

فمن السهل إطلاق العبارات، لكن من الصعب أن يتكفل من يطلق هذه العبارات بتوفير مصدر دخل لمن تحتاج!. بعد سنوات كَبُر ابنها وأصبح رجلا، وفي يوم زفافه وجدوه يبكي وحينما سألوه قال: أبعد كل هذا يوجد بيننا من يخجل بأن يفتخر باسم أمه؟! رفقا بالقوارير وكفى.