تنتج المأساة آدابها المختلفة، تتشرب الكتابة صورها المؤلمة وحكاياتها التي لا تموت، وفي كل مجتمع عبرته الحرب تركت بصمتها التي تناقلتها الأجيال "سيفونير" للألم وللعظة.

منذ سنوات والحرب تطحن المنطقة بجنون، أمسياتنا غشتها القنابل والبيانات المتلاحقة، أيبستنا قسوة القصص عن التعاطف مع مزيد منها، طشنا في الأخبار وغرقنا في التحليلات، لم نعد نحفل بالضحايا ولا أعدادهم ولا أسباب موتهم، نتناقل مقاطع جز الرؤوس وحز الرقاب باعتياد حجري. هل يحق لي هنا أن أبحث عن انعكاسات ذلك وأسأل بتخمة عما يمكن إنتاجه أو أنتج كتابة شعرا ورواية في ظل هذا الجنون؟ هل السؤال أصلا قابل للطرح؟ هل الكتابة كما سواها تعيش وضعا خانقا بعد أن سقطت أوهام العيش المشترك وذوت الدول والمؤسسات وأصبحت المجتمعات شظايا جغرافية وديموغرافية وكانتونات حزبية وطائفية مغلقة؟ ما الذي يمكن أن تنجزه الكتابة؟ وهل هي قادرة على نقل المأساة كاملة بكل التفاصيل؟

إن موجة التوحش التي أخرجت إنسان هذه المنطقة من مجاله البشري لتعيده إلى غرائزيته الأولى ستحتاج وقتا للاستيعاب ربما، مراحل أقل تأثيرا في تاريخ الإنسانية تركت علامتها الفارقة على الآداب.. السبعينات العسكرية في أميركا اللاتينية. الحرب الأهلية الإسبانية نهاية الثلاثينيات. فرنسا بمزاجها الطلابي 1968، أوروبا الشرقية بعد سقوط الشيوعية، والشرق الأوسط المتخبط في اختبارات الحديد والنار والدم التي لم تتوقف بل ازداد نهمها لمزيد من الضحايا مع كل جولة عنف جديدة وراية طائفية تعلو.. منذ سنوات والشرق يغلي بالأحقاد والرؤوس المتدحرجة والجثث التي بلا هوية تحت مبررات مقدسة، ورغم هذا تنزوي الكتابة متوارية بلا عذر، فلا أحد يريد أن يصنف، أو يحسب على جهة ما، يصمت الجميع بينما تتقدم الفجيعة وتلتهم كل يوم من أرواحنا وخيالنا وأوطاننا وشعوبنا ضحايا، بينما الكتابة هي المهمة الأولى لإنهاء ذلك كله، إلا الكتابة ولا غيرها.