استعرض قسم التحليل التابع لمركز الدراسات الأميركية والعربية (المرصد الفكري/البحثي) أوضاع المعارضة السورية المسلحة في ضوء سلسلة هزائم تلقتها في مواطن قوتها المركزية، مما استدعى توجه داعمي المعارضة لتنشيط الجبهة الجنوبية لسورية، بعد استكمال الاستعدادات اللوجستية والتدريبات التي جرت على الأراضي الأردنية بإشراف القوات الخاصة الأميركية وحلفائها الغربيين. كما تطرق التحليل، الذي نشره موقع مركز الدراسات في 16 مايو المنصرم، إلى طبيعة الأسلحة التي دخلت الخدمة الميدانية بعد إفصاح الولايات المتحدة عن نواياها بتوفير أسلحة متطورة مضادة للطيران والدروع لقوى المعارضة، ومنها الصاروخ المضاد للدبابات من طراز "تاو". فيما يلي أهم ما جاء في التحليل:

لم يفاجأ أحد بالتفاتة الولايات المتحدة إلى الحل العسكري في سورية مرة أخرى والذي جاء في أعقاب سلسلة إخفاقات سياسية وعسكرية تكبدتها في الإقليم، وهزائم حلفائها ميدانياً هناك، مما سيترجم سلباً في معادلتها السياسية؛ والتحولات الإقليمية بعد تراجع بيّن لتركيا وقطر والسعودية، والدولية التي قامت واشنطن بإشعال فتيل انفجارها في أوكرانيا وعدم تمكنها من السيطرة على تداعياتها وبلوغ مراميها لمحاصرة روسيا في حديقتها الخلفية كما أرادت. بل هي لم تتخل يوماً عن خيار التصعيد العسكري في سورية، إلا للانتقال من معركة إلى أخرى بذرائع متجددة.

الغائب الوحيد ربما في لهجة الخطاب الرسمي الأميركي هو القفز على المطالبة السابقة بتنحي بشار الأسد، بعد اتضاح عُقم المطلب، وحماية لما تبقى لها من مصالح إقليمية بحاجة إلى بعض الاهتمام المباشر كيلا تضطر لحرف بوصلتها المتجهة شرقاً نحو آسيا لمحاصرة روسيا والصين في المياه الإقليمية هناك.

ولجأت مرة أخرى في دعم الدول التقليدية أوروبياً وعربياً وإقليميا، ولم يتجاوز عددها 11 دولة صنفت نفسها من "أصدقاء سورية"، هوى العدد من 70 دولة عند التئامها في إسطنبول بتاريخ الأول من أبريل 2012. ولم يتمخض عن هذا الحشد سوى بيان مقتضب بنقطتين "لإدانة قرار الحكومة السورية المضي بعقد الانتخابات الرئاسية" في موعدها المقرر؛ مقارنة بما كان يصدر عنها سابقاً من تهديد ووعيد بأن الأسد "لن يكون له موقع في صيغة الحل" المقبلة.

وسعت لحفظ ماء وجهها ووجه قوى المعارضة السورية باستضافة رئاسة الائتلاف الوطني في واشنطن ومنحه مساحة إعلامية واسعة تخللها ترتيب لقاءات متعددة مع مسؤولين في الحكومة الأميركية ومجلس الأمن القومي وعدد من قادة الكونجرس من الحزبين وبعض مراكز الأبحاث، وإطلاق العنان لتصريحات إعلامية بأنها ستضاعف من دعمها "غير الفتاك" لقوى المعارضة.

الترجمة الحقيقية للتصريحات الرسمية الأميركية جاءت على لسان قائد المجلس العسكري الأعلى المعَيّن عبد الإله البشير النعيمي، إذ زعم أن الولايات المتحدة أوفت بوعودها في مضاعفة توريد أسلحة متطوِّرة لبعض أركان الجيش الحُر، مشيراً إلى توفر صواريخ مضادة للطائرات من طراز "تـاو" للتشكيلات التابعة لإمرته. زعم البشير (كما يشار إليه) أن "الهدف الرئيس لزيارة واشنطن يتمحور حول الحصول على أسلحة مضادة للطيران .. ويحدونا الأمل أن تستجيب الولايات المتحدة لطلب مساعدتنا وتحييد سلاح الجو السوري".

وتصدر وزير الخارجية الأميركي جون كيري التصريحات الإعلامية لتوزيع اللوم على "المجتمع الدولي الذي أهدر سنة كاملة" وفشل في اتخاذ تدابير من شأنها الإطاحة ببشار الأسد. وقال كيري موجها كلامه لرئيس الائتلاف الزائر، أحمد الجربا، في مؤتمر صحفي مشترك في وزارة الخارجية، إن دولاً متعددة فشلت في تنسيق جهودها بفاعلية لزمن طويل؛ مؤكداً أن غياب التنسيق بينها أفضى إلى تراجع الزخم الدافع باتجاه تنحية الأسد ومكافحة تنامي تهديد الإرهاب في سورية.

استطاع رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا لقاء مستشارة الأمن القومي، سوزان رايس، إذ وصف اللقاء بلغة دبلوماسية معهودة بأنه كان "بناءاً ومفيداً"، أي بعبارة أخرى لم ينطو عليه مضمون جدي.

نقل عدد من الأوساط الإعلامية مدى الإحباط الذي ينتاب وزير الخارجية كيري نتيجة إخفاقات السياسة الأميركية في سورية، وتحول موقفه إلى التأييد الثابت والهادئ لتوريد أسلحة فتاكة لقوى المعارضة السورية، خاصة بعد انهيار مفاوضات جنيف 2؛ وتدخل البيت الأبيض مباشرة لإحباط ذلك المسعى بدعم وتأييد المؤسسة العسكرية.

بيان "أصدقاء سورية" سالف الذكر، الصادر من لندن، ينطوي على جملة من الدلالات تحدد معالم المرحلة المقبلة من المستقبل المنظور. أمام عزم سورية التمسك باستحقاقات الدستور المحلي والمضي بعقد الانتخابات الرئاسية في موعدها، ستقابله الولايات المتحدة بالعزوف عن الحل السياسي من ناحية، وتصعيد حِدة المعارك واستخدام الأسلحة "الجديدة" التي سلمتها لقوى المعارضة للتأثير على سلاسة العملية الانتخابية، من ناحية أخرى. إذ لا تملك واشنطن وحلفاؤها الإقليميون والدوليون أي خيار متماسك من شأنه أن يُشكل أرضية للبناء عليه لعقد جولة متقدمة من الحوار على غرار مؤتمر جنيف-2، وليس أمامها سوى التعطيل والمزيد من الدمار وإراقة الدماء، وهي تدرك جيداً أن هزيمة حلفائها في حمص تُعد "خطوة تراجعية كبرى" في مخططاتها نحو سورية.

يضاف إلى ذلك ما فرضته التطورات الميدانية لصالح النظام السوري من تداعيات تجسدت في استقالة المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي بعد انتفاء الحاجة له ولدوره، بل لمهمته بأكملها، خاصة أن استقالته جاءت قبل انعقاد جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة تقريره، وعدم تسمية المجلس خليفة له.

أيضاً تسارع التطورات في أوكرانيا عزز من اتساع الهوة في الموقف بين روسيا والولايات المتحدة، مما يضعف احتمالات توصل الطرفين إلى تفاهم مشترك لإنهاء الصراع المسلح.